يكفيك ما كان يقوم به يعقوب بن الليث الصفاء في بلاد فارس والأهواز إلى أن مات عام 265 فآلت إليه قيادة الحروب إلى أخيه عمرو(1) وما يقوم به الجخستاني وخلفه رافع بن هرثمة في هراة حتى قتل عام 279 (2)، وما عمله الخلنجي بمصر(3) عام 292 وما بعده ، والحسين بن حمدان عام 303(4) .والحروب الطاحنة التي عملها مرداويج في فارس، حتى ملك طول البلاد وعرضها وهتك المحارم وطغى وعمل له سريراً من ذهب يجلس عليه، وسريراً من فضة يجلس عليه أكابر قواده ، وخافه الناس خوفاً شديداً(5) .حتى قتله خدمه في الحمام عام 323(6).

إذن فالخطوط العامة الرئيسية هي بذاتها موجودة ، والناس هم الناس، وإنما المهم أن نتعرض لبعض التفاصيل التاريخية التي يختص بها هذا العصر . وهي عدة أمور:

الأمر الأول: انتقال الخلافة إلى بغداد ، وإعراضها عن سامراء إعراضاً تاماً .حيث بويع للمعتضد أبي العباس بن الموفق في بغداد عام 279(7). و بقيت سامراء لقمة سائغة للإضمحلال والفناء .

ـــــــــــــــــــ
(1) المصدر ص31
      (2) المصدر ص74

(3) المصدر ص111    (4) المصدر ص150

(5) الكامل ج6 ص198 (6) المصدر ص 244 وما بعدها

(7) المصدر ص73 وما بعده.


صفحة (349)

وقد حاول المكتفي عام 290 الرجوع إليها،  فصرفه وزيره عن ذلك لجسامة الأموال التي يجب أن تصرف فيها قبل انتقاله، فبقيت سامراء على الخواء والتخلف .

الأمر الثاني: شهد هذا العصر ، نهاية صاحب الزنج ، علي بن محمد بعد أن عاث في البلاد الفساد وقتل وأحرق واستعبد الشيء الكثير حيث قتل عام 270 (1) .وقد  خلف قتله الشعور بالسرور والبهجة في المجتمع . وقيلت في ذلك الأشعار (2).

وكان أعظم من بلي في قتاله حسناً طلحة بن المتوكل الموفق وابنه المعتضد بالله ولؤلؤ غلام أحمد بن طولون الذي انشق عن مولاه.

وقد سبق أن ذكرنا ان الحروب التي قام بها المعتضد في هذا المضمار أهلته للخبرة والقوة والإلتفات إلى السياسات العامة ، والإدارة التي طبقها في أثناء خلافته.

ومن طريف ما ينقل عن المعتضد أنه بالرغم من قسوته المظلمة واستهانته بالدماء .وآلام التعذيب خلال خلافته (3)، كان متسامحاً مع العلويين، حتى أنه ورد من محمد بن زيد من بلاد طبرستان مال ليفرق في آل أبي طالب سراً ، فغمز بذلك إلى المعتضد ، فأحضر الرجل الذي كان يحمل المال إليهم .فانكر عليه إخفاء ذلك ، وأمره بإظهاره وقرب آل أبي طالب إليه (4).

ـــــــــــــــــــ
(1) الكامل ج6 ص51 وما بعدها
            (2) المصدر ص53 وما بعدها

(3) انظر المروج ج4 ص144 وص159   (4) انظر المروج ج4 ص181


صفحة (350)
 

وإنما كان ذلك بسبب رؤيته في المنام أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث بشره بمصير الخلافة إليه ، وأوصاه بولده خيراً ، فقال له المعتضد: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين(1) .

وهو الذي عزم على لعن معاوية بن أبي سفيان على  المنابر ، وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس (2) يذكر فيه الشيء الكثير من مثالب بني امية ،والأحاديث النبوية، والآيات القرآنية في الطعن فيهم ووجوب البراءة منهم وبقي مصراً على كلامه ،حتى قال له القاضي يوسف بن يعقوب : فما نصنع بالطالبين الذين يخرجون من كل ناحية ويميل إليهم خلق كثير من الناس لقرابتهم من رسول الله (ص) ،فإذا سمع الناس ما في الكتاب من إطرائهم كانوا إليهم أميل وكانوا هم أبسط السنة وأظهر حجة منهم اليوم ،فأمسك المعتضد ولم يأمر في الكتاب بعد ذلك بشيء(3).
ومن طريف ما ينقل عن المعتضد(4) أنه في عام 284 ظهر له شخص في صور مختلفة في داره .فكان تارة يظهر في صورة راهب ذي لحية بيضاء وعليها لباس الرهبان، وتارة يظهر شاباً حسن لوجه ذا لحية سوداء بغير تلك البزة ، وتارة يظهر شيخاً أبيض ببزة التجار.

ـــــــــــــــــــ

(1) نفس المصدر والصفحة .     (2) انظره في هامش الكامل ج6 ص85 نقلاً عن الطبري .

(3) الكامل ج6 ص87            (4) انظر لمروج ج4 ص171.


صفحة (351)