ومبدأ الغيبة الصغرى ... حتى عام 279، حيث آلت الخلافة الى المعتضد الى عام 289 ، فاستخلف المكتفي الى عام 295 ، وبعده المقتدر الى عام 320 ، ثم القاهر بالله سنة 322 ، ثم الراضي بالله حتى عام 329 وهو عام وفاة النائب الرابع السمري عليه الرحمة ، ونهاية العهد الذي نؤرخ له.

والخطوط العامة للمجتمع، هي ذاتها التي عرفناها في التاريخ العام السابق الذي عرفناه ...فضعف الخلافة يتفاقم بمضي الأعوام، ولئن كان سيطرة الموالي والأتراك على دفة الحكم ،وتأثيرهم في نصب الخليفة وعزله ، في الفترة السابقة، ملفتاً للنظر، باعتبار كونهم جديدوا عهد بمثل هذا العمل ، فقد أصبح تأثيرهم في هذا التاريخ طبيعياً وأمراً حتمياً ،فهم القواد والمحاربون والمالكون للأطراف والمتصرفون بشؤون الدولة ،وخاصة الخلفاء حيناً وأعداءهم أحياناً ، والمؤثرون في عزل الخليفة ونصبه  بكل بساطة ووضوح .بل من المستطاع القول ... بأنهم بالرغم من كونهم شجى في حلق الخلافة، إلا أنهم الساعد الأيمن لها والمستفيد منها ،والمتاجر باسمها في طول البلاد وعرضها.

وقلما يموت الخليفة حتف أنفه ، فالمعتمد يكثر من الأكل في عشاء على الشط ببغداد ،فيموت مبطوناً(1). والمعتضد يموت مسموماً من قبل إحدى جواريه أو غيرها(2)،

ـــــــــــــــــــ
(1) الكامل ج6 ص73
  
(2) المروج ج4 ص184


صفحة (346)
 

والمقتدر يموت بشر قتلة من قبل قوم من المغاربة والبربر ، وكان منفرداً منقطعاً عن أصحابه فشهروا سيوفهم في وجهه ، فقال لهم : ويحكم انا الخليفة ! فقالوا : قد عرفناك يا سفلة ..انت خليفة ابليس ..وقتلوه واخذوا جميع ما عليه حتى سراويله ،وتركوه مكشوف العورة  الى ان مر به رجل من الاكرة فستره بحشيش ثم حفر له موضعه ودفن وعفي قبره.(1)

والقاهر ثار عليه جماعة من القواد الساجية والحجرية واقتحموا عليه قصره ، فلما سمع القاهر الأصوات والجلبة ، استيقظ مخموراً وطلب باباً يهرب منه ..ولا زال يماطلهم منفرداً حتى أدركوه وقتلوه(2).

وهذا القاهر، هو الذي ذاق طعم الخلافة لمدة يومين في غضون أيام سلفه ، حيث خلع المقتدر وشهد جماعة على خلعه. وذلك بأيدي بعض القواد الموالي والوزراء .ولكن القاهر حين رأى المقتدر راجعاً إلى دست الخلافة قائلاً له : يا أخي قد علمت أنه لا ذنب لك .وأنك قهرت ..ولو لقبوك لكان أولى من القاهر .بكى القاهر وقال : يا أمير المؤمنين نفسي نفسي ...أذكر الرحم التي بيني وبينك(3).

وأما حال الوزارة والوزراء ، الذين يتناوبون على دست الحكم ، وسرعان ما يبدو فشلهم في معاملة الناس وفي توزيع الأموال وتدبير الشؤون السياسية، فيعزلون وقد يذوقون بعد العزل صنوف العذاب والسجن وتهب الأموال ، فحدث عن هذه  الحال ولا حرج ... بما يطول المقام في ذكر تفاصيله.

ـــــــــــــــــــ
(1) الكامل ج6 ص221
    (2) المصدر ص237

(3) المصدر ص202


صفحة (347)
 

والصعوبات والحروب المتكررة التي تتكبدها الدولة من الخوارج كثيراً .ومن الاكراد(1) والاعراب(2) أحياناًُ ،ومن الخارجين عليها الطامعين في الملك والغلبة على الأطراف دائماً .. قائمة  باستمرار على قدم وساق.

والفتح الإسلامي ، لا زال تجارياً يقصد به إلا السلب والنهب والغارة .ويعتبر بالنسبة إلى الدولة مورداً ضخماً ، يصرف أكثره في الخلافات الداخلية والخلافات الشخصية .ولم يكن الفتح محل عناية الدولة أكثر من ذلك ، إلى حد أصبحنا نسمع أنه ضغفت الثغور الجزرية في ايام المقتدر عن دفع الروم عنهم : كملطية وميافارقين وآمد وارزن وغيرها، وعزموا على طاعة ملك الروم والتسليم إليه لعجز الخليفة عن نصرهم ،وأرسلوا إلى بغداد يستأذنون في التسليم ويذكرون عجزهم ويستمدون العساكر لتمنع عنهم ..فلم يصغ إليهم احد .فعادوا خائبين(3). لأن العاصمة علمت أن هذا الموقف لن يكون تجارياً ،وإنما هو لأجل إنقاذ حقيقي لمنطقة إسلامية من براثن الإستعمار الكافر.

والحروب من أطراف الدولة الإسلامية، بين الطامعين والمترأسين، قائمة على قدم وساق بنحو خارج عن اختيار العاصمة وامرها ،على الاغلب ، وتكون هذه الحروب هي الحكم الفصل في ابراز امير وفشل أمير .

ـــــــــــــــــــ
(1) المصدر ج6ص113
   (2) المصدر ج4ص175

(3) الكامل ج6ص206


صفحة (348)