القسم الثاني

تاريخ الغيبة الصغرى

من عام 260 الى عام 329

تمهيد :

في تحديد الغيبة الصغرى :

تبدأ الغيبة الصغرى من حين وفاة الإمام العسكري عليه السلام وتولي الإمام المهدي عليه السلام الإمامة .وقد بدأها عليه السلام بالإيعاز بنصب وكيله الأول ، حين  قابله وفد  القيمين كما سمعنا.

ولذا نجد ان الأمر لا يخلو من المسامحة إذا قلنا أن الغيبة الصغرى بدأت بإصدار هذا البيان ، لا بساعة وفاة أبيه عليه السلام ، على أن الأمر ليس مهماً ، بعد اتحاد تاريخها ، في نفس اليوم الواحد ، بل الصباح الواحد . حيث توفي الإمام العسكري بعد الفجر من اليوم الثامن من شهر ربيع الاول عام 260 وقابل وفد القيمين الإمام المهدي عليه السلام قبل الظهر في نفس اليوم.

ومن المستطاع القول بان المميزات الرئيسية لهذه الفترة  ثلاثة:

الميزة الأولى : كونها مبدأ تولي الإمام المهدي عليه السلام ، للمنصب الإلهي الكبير في إمامة المسلمين بعد أبيه الراحل عليه السلام.

صفحة (341)

لكي يتولى مسؤوليته الكبرى في قيادة قواعده الشعبية خاصة وان البشرية كلها عامة ،الى قوانين السعادة والسلام.
الميزة الثانية: عدم الإستتار الكلي للمهدي عليه السلام ، وإنما كان يتصل بعدد مهم من الخاصة، لأجل مصالح كبرى ستعرفها فيما بعد ، على حين بدأ الإستتار الكلي – إلا فيمن شاء الله عز وجل – بانتهاء هذه الفترة.

الميزة الثالثة :
وجود السفراء الأربعة ، الموكلين بتبليغ تعاليم الامام المهدي الى الناس من قواعده الشعبية بحسب الوكالة الخاصة المنصوص عليها من قبل المهدي نفسه او من قبل ابائه عليهم السلام .وكان الاسلوب الرئيسي للمهدي (ع) في قيادة قواعده الشعبية وإصدار التعليمات وقبض الأموال ، هو ما يكون بتوسط هؤلاء السفراء وما يتسنى لهم  القيام به من قول أو عمل.
وقد خسرت الأمة الإسلامية هذه الوكالة الخاصة ، بوفاة السفير الرابع .وانتقل التكليف الإسلامي ، بعده إلى الإتكال على الوكالة العامة، الثابتة في الكتاب والسنة ،كما هو المعروض في محله من كتب البحوث والأحكام الإسلامية.
ولم تخل هذه  الفترة من تشاويش وصعوبات ، عاناها السفراء والمهدي عليه السلام – وهو في غيبته - من أجل ادعاء أفراد معينين للوكالة لاخاصة زوراً ، ومعارضتهم للسفراء الحقيقيين ،وإغرائهم للناس بالجهل ، غير أنه كانت تكتب لهم الخيبة والفشل ، نتيجة للجهود الواسعة التي يبذلها السفراء في تكذيبهم وعزل الناس عنهم ، استشهاداً بأقوال الإمام المهدي وبياناته فيهم .
 

صفحة (342)

واهم هؤلاء المدعين ،واكبرهم تاثيراً في جماعات من الناس هو الشلغماني ابن ابي العزاقر. وسياتي التعرض الى موقفه وموقف المهدي عليه السلام منه تفصيلاً.
كما ان هذه الفترة ،لم تخل من مصاعب بلحاظ المطاردة الحادة التي كانت السلطات توجهها الى الامام المهدي عليه السلام بالخصوص. وقواعده الشعبية على وجه العموم .وبلحاظ المناقشات وانحاء الكلام والطعن الذي كان يصدر من القواعد الشعبية غير الموالية للأئمة عليهم السلام، وخاصة اؤلئك المتملقين للدولة والمستاكلين على مائدتها والمنتفعين بسياستها.
ولعل الثغرة التي كان يمكن لهؤلاء ان يصلوا اليها في مناقشاتهم كانت اوسع بعض الشيء مما كانت عليه مناقشات امثالهم في زمان ظهور الائمة عليهم السلام فان القواعد الشعبية الموالية .كانت في هذه الفترة فاقدة للاتصال المباشر بشخصية الامام عليه السلام ، تلك الشخصية الفذة النيرة التي تعطي من توجيهها وتدبيرها في نفض الشبهات وحل المشكلات ،الشيء الكثير ، مما يصعب على الوكلاء والسفراء القيام به الا بشكل يكون اضيق دائرة واقل درجة.
على ان الامام (ع) في بياناته ومقابلاته للاخرين لم يكن يأل جهداً في المناقشة والتوجيه والتدبير ،على ما سنذكر في مستقبل البحث بتوفيق الله عز وجل .

صفحة (343)

مضافاً إلى أن فكرة غيبة المهدي (ع) وطول عمره وما يترتب على ذلك من فائدة ،ونحوها من الأسئلة التي أصبحت تثار من قبل المناقشين ، لم يكن لها أي موضوع أو مجال في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام .

وهذا بنفسه يكلف السفراء ،ومن ثم الإمام المهدي (ع) نفسه إلى مناقشة مثل هذه الشبهات وتذليل مثل هذه المشكلات بنحو منطقي مقنع.

والآن يمكننا أن نستعرض تاريخ الغيبة الصغرى ، معتمدين عدة فصول:


صفحة (344)
 

الفصل الأول

في التاريخ العام لهذه الفترة

 

تبداً هذه الفترة التي نؤرخها: عصر الغيبة الصغرى ، بوفاة الإمام العسكري عليه السلام ، في الثامن من شهر ربيع الأول عام 260 كما  قلنا ،وتنتهي بوفاة السفير الرابع أبي الحسن علي بن محمد السمري في النصف من شعبان ، عام 329 (1) .

وهي سبعون عاماً حافلة بالأحداث الجسام والتقلبات العظام انتقل فيها عمر التاريخ الإسلامي من عقده الثالث إلى عقده الرابع.

وانتقلت الوكالة الخاصة أو السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام بين أربعة من خيار خلق الله وخاصته، هم عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ، رضي الله عنهم وانتقلت الخلافة بين ستة من خلفاء بني العباس ، بينهم المعتمد الذي عاصره وفاة الإمام العسكري عليه السلام ،

ـــــــــــــــــــ
(1) غيبة الشيخ الطوسي ص424.

صفحة (345)