وتارة يظهر بيده سيف مسلول وضرب بعض الخدم فقتله !! فكانت الأبواب تؤخذ وتغلق ، فيظهر  له أين كان في بيت أو صحن أو غيره . وكان يظهر له في اعلى الدار التي بناها . فأكثر الناس في القول في ذلك واستفاض الأمر واشتهر في خواص الناس وعوامهم ، وسارت به الركبان ، وانتشرت به الأخبار ،واقول في ذلك على حسب ما كان يقع في ذهن واحد منهم .

والمظنون ان هذه الظاهرة، ليست من الجن، ولا الشياطين، ولا من اختلال في العقل ،وإنما هو نتيجة للإحساس بوخز الضمير نتيجة للظلم والقسوة التي كان يستعملها تجاه الناس. بنحو كان يشعر انها من مقومات شخصيته وملكه ولا يمكنه التخلي عنه ،إذن فهو مضطر إلى عصيان صوت الضمير وتحمل وخزه في كل وقت .وإذا تفاقم الشعور بالاثم فقد يصل الى مثل هذا الخيال إذ قد يتجسد له بعض الذين قتلهم بين يديه تحت التعذيب ، حتى ليحسبهم حقيقة واقعة  .

ومن المعلوم أن هذا الوهم يتبع شخص المعتضد حيث وجد ولا تحول دونه الأبواب والأقفال والحراسة مشددة ، ومن أجل ذلك كانت تختلف أزياء هذا الشبح وأحواله ، بحسب اختلاف اتجاه التفكير المعتضد في خلوته .

وأما أن هذا الشبح قد أحد الخدم بسيفه ، فهذا مما لا يمكن تصديقه ، وإنما هو من النسيج الذي أضيف إليه من قبل الناس ، حينما تداولوا هذه الحادثة وسارت بها الركبان .


صفحة (352)
 

الامر الثالث: مما اختص به هذا العصر:

أنه شهد نهاية الدولة الطولونية في مصر ، فإنها كانت قد بدأت عام 254 في عهد المعتز بأحمد بن طولون التركي، حيث ولاه عليها بإيكبال التركي ، من قبل الخلافة العباسية ، على ما سبق ، وبقي مالكاً لمصر وسوريا ، متحدياً للعاصمة أحياناً(1) حتى مات مبطوناً عام 270(2).

فخلف ابنه خمارويه(3) الذي أصهر إليه المعتضد عام 279(4) ،وبقي مستمراً على ملك أبيه إلى أن قتله مخموراً بعض خدمه ، ومنهم من شرح لحمه من أفخاذه وعجيزته ، وأكله السودان من مماليكه.

وبقيت الدولة الطولونية حتى عام 292 حيث استولى الخليفة المكتفي على دولتهم وأموالهم ، وولي على مصر عيسى النوشري (5)، وانقرضت بذلك دولتهم وزال ملكهم بعد أن لعبت دوراً في التاريخ حوالي الأربعين عاماً .

ـــــــــــــــــــ
(1) الكامل ج6 ص13    (2) الكامل ج6 ص55

(3) الكامل ج6ص55     (4) المروج ج4 ص145

(5) مروج الذهب ج4ص158  (6) الكامل ج6 ص11


صفحة (353)
 

الأمر الرابع: ظهور شخص في شمال إفريقيا يدعي أنه هو المهدي ،وانه من ذرية اسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق (ع) ، وهو جد الفاطميين في مصر ،وقد استولى على دولة واسعة الأرجاء عام 296(1)،

بعد ان مهد له ابو عبد الله الحسين بن احمد بن محمدبن زكريا الشيعي ،ومن أهل صنعاء وقضى على دولته آل الأغلب في تلك المنطقة ،وطرد آخر امرائها زيادة الله بن محمد(2) وملك قسماً كبيراً من الشمال الإفريقي بما يقابل ليبيا وتونس والجزائر من الدول الحاضرة.

وبعد أن استتبت له الأمور وخافته القبائل ،اخرج رجلاً يدعى بعبيد الله بن الحسن من سجنه في سجلماسة، وأعلنه مهدياً وتبرع له بكل ملكه ، فاستقامت له البلاد ودانت له العباد ، وباشر الأمور بنفسه وكف يد أبي عبد الله الشيعي مما كان عليه ،ويد أخيه أبي العباس فسعى أبو العباس إلى التشكيك في مهدويته، قائلاً: إن هذا ليس الذي كنا نعتقد طاعته وندعو إليه ،لأن المهدي يختم بالحجة ويأتي بالايات الباهرة ، فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس ،منهم انسان من كتامة يقال له شيخ المشايخ ، فواجه المهدي بذلك وقال :إن كنت المهدي فاظهر لنا آية فقد شكننا فيك . فلم يكن من هذا المهدي!! إلا أن قتله(3). وعلى أي حال فقد باشر الفتح الإسلامي مستقلاً عن سلطات بغداد  ،وحاول احتلال مصر مرتين ، فلم يفلح ، نتيجة لما كانت تبذله الخلافة العباسية في دفعه ، كانت أولاهما عام 301(4) ،

ـــــــــــــــــــ
(1) المصدر ص133    (2) المصدر ص130

(3) الكامل ج6ص134  (4) المصدر ص47.

صفحة (354)