النقطة الرابعة : إننا سبق أن عرفنا عدة حوادث ولم نعرف تاريخها المحدد، منها : توسل جعفر بن علي بالوزير عبيد الله بن خاقان ،على ان يجعل له مرتبة أخيه عليه السلام ،ومنها توسله بالمعتمد لتنفيذ نفس الغرض.
ومنها وقوف المهدي عليه السلام تجاه أطماع جعفر حين مطالبته بالإرث ، ومنها: وقوفه عليه السلام مطالباً تنفيذ وصية جدته.
ومن المؤسف أننا لا نستطيع الوصول إلى التحديد المنضبط لهذه الأمور، فإنه من مناطق الفراغ في التاريخ على أي حال .وإنما غاية ما نتوخاه هو الإلتفات إلى ما تقتضيه طبيعة الأشياء في ترتيب هذه الحوادث.
المظنون ان أولى هذه الحوادث وقوعاً ، هو مطالبة جعفر بن علي بالإرث، فإن مناقشات الإرث تقع عادة في غضون الايام الاولى من وفاة المورث ،وخاصة اذا كان احدهم حريصاً ومستعداً للمناقشة والجدل ،كجعفر نفسه. واما توسله الى السلطات ،فقد كان بعد ان مضت مدة كافية ثبت فيها بالتجربة عند جعفر ،بأن مخططه قد فشل وأن إمامته قد رفضت لدى كل من اتصل به من جماهير الموالين وشيوخهم ، وهذا ما يحتاج الى بعض الزمان حتى يتمخض الجدل الذي قام بين الماولين حول اثبات ذلك او رفضه ونشر الموقف الذي اتخذه المهدي عليه السلام تجاه عمه بينهم.

صفحة (335)

وحيث كانت السلطات هي الركيزة الاساسية لجعفر في مخططه ، فقد لجأ إليها .مبتدئاً بالوزير ومنتهياً بالخليفة ، لعلها تستطيع ان يفرض جعفراً على الموالين فرض، وقد عرفنا ما واجهه من عجز السلطات ورفضها لطلبه.
وعلى أي حال فمن المستطاع القول ان هذه الحوادث الثلاث جميعاً ، قد حدثت خلال الاشهر الاولى المتعقبة لوفاة الامام  العسكري عليه السلام في نفس عام 260.
واما وفاة الجدة رضي الله عنها ،فهو متأخر عن مطالبته بالارث ،كما تدل عليه الرواية نفسها(1) ولكنه على أي حال غير محدد الموعد فلعله كان في نفس السنة ولعله كان في العام الذي يليه. وعلى أي حال فقد حصلت وفاتها في غضون ممارسة جعفر لنشاطه واصراره على دعواه . قبل ان ييأس من تنفيذ مخططه ويرفع يده عنه ويتوب.
النقطة الخامسة: انه لا بد لنا من اجل حفظ الحقيقة والموضوعية في البحث ان نذكر من اشرنا اليه قبل قليل ، وهو ان جعفر بعد ان مضى عليه زمان يمارس النشاط العدائي للامام المهدي وعائلته والممالىء للسلطات الحاكمة ايس من نجاحه وسيطر عليه الحق فكبح جماح نفسه وترك عمله ورفع اليد عن سلوكه المنحرف ، وتاب الى الله من ذنوبه.
ـــــــــــــــــــ
(1) انظر الإكمال الدين (المخطوط) .

صفحة (336)

وعندئذ يخرج التوقيع من الامام المهدي عليه السلام في العفو عنه والتجاوز عن تقصيره ، تطبيقاً لقوله تعالى :" فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم"(1) .وقوله تعالى :" وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى"(2).
يخرج هذا التوقيع بواسطة السفير الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد  العمري ، جواباً على سؤال في ضمن عدة استفتاءات تقدم بها: اسحاق بن يعقوب إلى الإمام المهدي عليه السلام بواسطة هذا السفير .وكتب الإمام عليه السلام فيما يخص جعفر قائلاً :وأما سبيل عمي جعفر وولده . فسبيل أخوة يوسف عليه السلام (3). يشير بذلك إلى عفو الله تعالى عن اخوة يوسف عليه السلام(4) ، بعد ان كانوا قد ناصبوه العداء وغرروا به ، على ما تحدث القرآن ثم عفا عنهم حين اعتذروا و" قالوا : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين .قال لا تثريب عليكم اليوم . يغفر الله لكم. وهو أرحم الراحمين"(4)
وهذا البيان من الإمام المهدي عليه السلام . يدل على العفو عن جعفر ، لنفس السبب الذي عفي به عن أخوة يوسف ، وهو اعتذراهم ورجوعهم إلى الحق وتوبتهم عما فعلوه.
ـــــــــــــــــــ
(1) 5/39       (2) 20/82
(3) انظر الإكمال المخطوط ،تاريخ سامراء ج2 ص249 عن الإحتجاج ،وفي الإحتجاج ص283 ج2 ط  النجف عام 1386 وسبيل ابن عمي جعفر وهو خطأ تورطت فيه المطبعة .
(4) 12/91-92

صفحة (337)