باعتبار
إن هذا المال الذي كانوا يحملونه قد وصل إلى الإمام نفسه ،وسوف لن يحملوا مالاً
آخر قبل
مضي عام من الزمن تقريباً ، فان الوفد من كل بلد يكون عادة قي كل عام مرة ،فاذا
جاؤا حينئذ فسوف يستطيعون التعرف عليه والسؤالعن اسمه وسوف يدلهم الكثيرون
عليه.
اذن فغاية
ما يستطيع هذا الوفد أن يبلغه الآن إلى جماهير الموالين في سامراء وقم وغيرهم
من المدن ،وهو أن يعطيهم أصل فكرة الوكالة ،وضرورة الرجوع إلى الوكيل في بغداد
، وعدم لزوم البحث عن مقابلة المهدي (ع) بنفسه.
وأما اسم
الوكيل ، وتعيينه في عثمان بن سعيد العمري ، فهذا ما يحتاج إلى بيان آخر، وفي
الحق أنه قد صدرت فيه عدة بيانات بعضها من افمام العسكري (ع) وبعضها من المهدي
(ع) نفسه على ما سنسمع في القسم الثاني من هذا التاريخ .
النقطة
الثالثة : أن مركز الثقل والإدارة السياسية للقواعد الشعبية الموالية
اجتماعياًُ واقتصادياً ، ستنتقل بإيعاز من الإمام المهدي عليه السلام من
سامراء إلى بغداد. بالرغم من بقاء سامراء عاصمة للخلافة العباسية ما دام
المعتمد في الحياة، تسعة عشر عاماً اخرى وتنتهي بانتهاء حياته عام 279 ثم
ينتقل مركز الثقل في الخلافة ايضاً الى بغداد مع بدأ خلافة المعتضد بن الموفق
بن المتوكل في ذلك العام.
إن الوكيل
منذ الآن ، سيمارس نشاطه في بغداد ،وستحمل الأموال إليه هناك ، وتخرج التوقيعات
منه .وفي ذلك ما لا يخفى من البعد عن الرقابة المباشرة للسلطات عن الإحتكاك
الدائم بالطبقة الأرستقراطية في
العاصمة ، من القواد الأتراك وغيرهم ممن يمثل خط الدولة على طوله.
صفحة (332)
ولئن كان
الإمامان العسكريان قد فرضت عليهم الإقامة الجبرية في سامراء وسياسة التقريب من
البلاط و الدمج في حاشية الخليفة.. وكان الإمامان لا يريدان إعلان الإحتجاج
وإثارة النزاع.. لئن كان ذلك فهو أمر خاص بحياتهما ..وأما بعد أن ذهبا إلى
ربهما العظيم صامدين صابرين ،وآلت الإمامة إلى المهدي عليه السلام ،وهو الثأر
على الظلم والطغيان ، فقد آن لهذه السياسات المنحرفة ان تنتهي ،ولهذا المخطط
الحكومي أن يقف عند حده، ينبغي لوكلاء المهدي عليه السلام أن يواجهوا الجمهور
متخلصين من هذا العبء متحررين من هذا الإضطهاد ... حتى
يستطيعوا أن يمارسوا عملهم بشكل أفضل وبحرية أوسع ، .وبخاصة أن مواقفهم –
بصفتهم وكلاء عن المهدي ـ تجعل موقفهم دقيقاً حرجاً تجاه السلطة ،ويزيد حراجة
فيما إذا كانوا يمارسون عملهم في سامراء .
على أننا
ينبغي أن لا نبالغ في الحرية التي سيكتسبونها عند البعد عن العاصمة ،،إنها حرية
نسبية ، بمعنى أن حالهم في بغداد أحسن بقليل وإخفاء نشاطهم أسهل .ولكن الخط
العام الذي كانت ولا زالت تمشي عليه الحكومة، موجود أيضاً وهو مطاردة
الجمهور الموالي ومراقبته وإبعاده عن الحياة ااسياسية والإجتماعية والإقتصادية
، فالحجز والضيق بمعناه العام ، لا تختلف فيه بغداد عن سامراء شيء.
صفحة (333)
وهذه
الحرية النسبية التي سيكتسبها الوكلاء في بغداد ، ستبقى سارية
المفعول ، ما دامت بغداد بعيدة عن العاصمة وأن تسعة عشر عاماً يمر على ذلك
كفيل بترسخ الوكلاء اجتماعياً والتفاف الجماهير الموالية حولهم ...بحيث لن يكون
إنتقال العاصمة إلى بغداد ، تارة أخرى، أهمية ضد نشاطهم ،كالأهمية التي ستكون
فيما لو انتقلت العاصمة مع بدء عصر الوكالة أو وجدت الوكالة في قلب العاصمة .
وهذا كله
يجري في النطاق الخاص ،وأما السلطات الحاكمة ، فسون لن تكون مسبوقة بذلك ، لما
يحيط كل نشاط يقوم به الوكلاء من السرية والرمزية بشكل يشبه من بعض الوجوه ما
رأيناه من الإمامين العسكريين عليهم السلام ، على أنه المستطاع القول بأن
الوكلاء أضيق من الإمامين (ع) نشاطاً وأقل منهما رمزية ،وإن كانوا أكثر منهما
سرية وتستراً ،وقد أوجبت هذه السرية تعذر تطبيق تلك السياسة القديمة على
الوكلاء ، من قبل السلطات ، بطبيعة الحال .
واما على
المستوى الحكومي ، فالحملة ضد المهدي عليه السلام ستبقى سارية المفعول عشرين
عاماً على اقل تقدير ، حتى بعد الإنتقال إلى بغداد ،ولا تسأم الحكومة. من ذلك
ولا تيأس ..وإن اتسقطت وجوده القانوني وميراثه عن نظر الإعتبار ،وبالطبع، فإنه
مما يحدد عزمها ويثيرها، ما يبلغها ، بشكل مباشر عن نشاط الوكلاء وما ترى من
اعتفاد الجمهور الموالي بوجود المهدي عليه السلام وغيبته، ونيابة هؤلاء السفراء
عنه عليه السلام ... ولكنها لن تستطيع النجاح .. وسيحالفها الفشل ..إلى آخر الخط .
صفحة (334)
|