والمظنون أن حادثة الصفار بما أوجبته من خروج المعتمد والموفق من سامراء ، كانت هي السبب الرئيسي في خروجها من الأسر . وقد و قعت بالتحديد خلال شهر جمادى الثانية من عام 262(1) فتكون ام المهدي عليه السلام ،قد بقيت في الأسر عامين وما يزيد على الشهرين .
ومن هنا تعرف ، ان المقصود الأساسي من حجزها ومراقبتها ليس هو البحث عن جنينها او انتظار ولادتها ، وإلا كان يكفي للتأكد من ذلك أن تمضي عدة أشهر فقط، وإنما كان المقصود هو اضطهادها وعزلها عن مجتمعها أولاً ، واحتمال اتصال ولدها بها خلال هذه المدة ، لو كان موجوداً، ..ثانياً .إلا أن مخططهم باء بالفشل  الذريع.
تعليق على الأحداث : أود في ختام هذا الفصل أن اشير إلى عدة نقاط مهمة ، عسى أن تتجلى بعض جوانب الغموض فيما عرفنا من التاريخ.

النقطة الأولى: إن غيبة الإمام المهدي عليه السلام ، ليس لها مبدأ معين نستطيع أن نشير إليه .وإنما الأمر هو الذي عرفناه من وجود الإمام عليه السلام من حين ولادته ، في جو من الكتمان والحذر والإحتجاب ، وحرص والده عليه السلام على المحافظة البالغة عليه وعدم وصول خبره الى السلطة أو من يدور في فلكها أو من يلين امامها ، ولم يكن يعرض ولده إلا على الخاصة من أصحابه كما عرفنا .
ـــــــــــــــــــ
(1)
على ما يظهر عن ابن الأثير في الكامل ج6ص8

صفحة (329)

وبقي نفس هذا المعنى ساري المفعول ، بعد وفاته عليه السلام ، متمثلاً في حرص المهدي (ع) نفسه وحرص سفرائه وأصحابه في الكتمان والحذر ،ومن الملاحظ في سيرة الإمام المهدي (ع) انه كلما كان الزمان يمر كان يحجب نفسه عن اصحابه أكثر ، فإنهم كلما اعتادوا على مقدار من الإحتجاب زادهم شيئاً قليلاً ، وهكذا ،وهذا هو الملاحظ من حين ولادته في زمان أبيه إلى آخر غيبته الصغرى حين بدات الغيبة الكبرى ،وبدأ الإحتجاب التام إلا بإذن الله عز وجل.
وسوف نناقش في مستقبل البحث ، الخرافة القائلة بأن بدأ الغيبة كان من حين نزول المهدي عليه السلام إلى السرداب ، تلك الخرافة التي نفخ فيها جملة من المفكرين وضخمها عدد من المؤرخين ، واعتبروها من النآخذ على عقيدة الإمامية في المهدي . وسنرى أن رواية واحدة مجهولة السند واردة في ذلك، على أننا لو اعتبرناها اثباتاً تاريخياً ، فهي تنص على أنه خرج من السرداب أمام الجلاوزة الذين كبسوا على الدار على ما سنسمع.
مضافاً إلى أن الإعتقاد بذلك منضمن لمفهوم خاطىء كاذب ..وهو أن المهدي (ع) وقبل نزوله إلى السرداب لم يكن محتجباً وكان من المتيسر لكل الناس ان يروه، وكانت حادثة السرداب هي الحد الفاصل بين الظهور والإحتجاب .وقد عرفنا بكل وضوح وتفصيل بطلان ذلك وعدم قيامه على أساس ، وقد حملنا فكرة كافية عن حرص والده على حجبه وإخفائه ، فلم يكن لحادثة السرداب أي أثر .

صفحة (330)

على أننا سنعرف أن هذه الحادثة لا تصلح ، من حيث وجودها التاريخي ـ لو صحت ـ أن تكون مبدأ للغيبة ، فإننا سنعرف أنها وقعت بفعل المعتضد العباسي، وقد استخلف عام 279 أي بعد وفاة الإمام العسكري (ع) وبدأ عصر الغيبة الصغرى ..عصر إمامة المهدي (ع) وقيادته للمجتمه بواسطة السفراء ... بتسعة عشر عاماً. فاسمع واعجب!!

النقطة الثانية: إن الإمام المهدي عليه السلام ، بدأ بنفسه عصر سفارته ووكالته ، المسمى بعصر الغيبة الصغرى ، حيث استطاع أن يتصل بالمجتمع ، متمثلاً بوفد القيمين ، ويصرح لهم شفوياً ، بتنصيبه للسفير حين يكون الناس على بينة من أمرهم في نشاطهم وتصرفهم وأموالهم ،وتكون الحجة قائمة، في هذا النص القانوني، على صدق السفارة والسفير. 
ولم يكن أمر السفارة غريباً على أذهان الجماهير الوالية . بعد أن كان نظام الإمامين العسكريين عليهما السلام، إذ يوعز إلى الوفد بحمل المال إلى وكيله في بغداد ..لا يسمي لهم شخصاً معيناً يكون هو الوكيل ، وذلك لعدم حاجتهم إليه.

صفحة (331)