فإننا
عرفنا أن الدولة كانت تنتظر ولادة المهدي عليه السلام من الإمام العسكري
عليه السلام .وها قد انتهت حياته ولم تر له ولداً ، فهو إذن أما موجود في
الخارج أو محمول في الأرحام .وحيث لا تكون الدولة مسبوقة بوجوده في الخارج
،وهي قد جردت حملة التفتيش ولم تجده ..إذن فهو حمل ..ومن المحتمل ان يكون هذا
الحمل الذي تدعيه هو المهدي المطلوب ،فحسبهم ان يراقبوا هذه الجارية الى حين
ولادته.
ومن هنا
وقعت هذه الجارية تحت المراقبة الشديدة المستمرة. حيث جعلوها بيم نساء المعتمد
ونساء الموفق ونساء القاضي ابن ابي الشوارب ..وهن نساء أعلى رجال لدولة .ولا
زالوا يتعاهدون أمرها في كل وقت ويراعونها وطالت المدة ولم يحصلوا على شيء.
وبقيت
الجارية على هذه الحال حتى واجهت الدولة مشكلات أساية في المجتمع ،واضطرت إلى
خوض الحروب في عدة جبهات ، فاشتغلوا بذلك عن هذه الجارية، فخرجت عن أيديهم
، الحمد لله رب العالمين .
وتعد
الرواية أربع حوادث رئيسية شغلت الدولة(1)، وكلها حقائق راهنة نسمعها في التاريخ
العام: إحداها: اقتراب يعقوب بن الليث الصفاء من العاصمة بعد أن ...
ـــــــــــــــــــ
(1) قالت
الرواية : إلى أن دهمهم أمر الصغار ،وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة،
وخروجهم من سر من رأى ،وأمر أصحاب الزنج بالبصرة ، وغير ذلك. انظر إكمال
الدين ( المخطوط ) مع سائر تفاصيل القبض على أم المهدي عليه السلام.
صفحة (326)
كان يمارس
نشاطه في الأطراف ، فإنه بعد أن استولى على بلاد فارس ونازل الحسن بن زيد العلوي
فيها في وقعات عديدة شعر المعتمد في سنة 262 بالعجز عن يعقوب بن الليث ، فكتب
إليه بولاية خراسان وجرجان ، فأبى يعقوب ذلك حتى يوافي باب الخليفة ، فخاف
المعتمد .
فتحول من
سامراء إلى بغداد. وجمع أطرافه وتهيأ للملتقى. وبذلك تحولت جبهة القتال من
فارس إلى بغداد. وتحول معاندوا الصفار من االحسن بن زيد وغيره من حكام الأطراف
، إلى الخليفة نفسه .
وجاء
يعقوب في سبعين ألف فارس ، فنزل واسط ، فتقدم المعتمد وقصده يعقوب .فتقدم
المعتمد أخاه الموفق بجمهرة الجيش واستطاع الموفق أن يهزم الصفار، فاستبيح
عسكره وكسب اصحاب الخليفة ما لا تحد ولا يوصف . وعاد الصفار بنفسه منهزماً
الى فارس(1) .
وبالرغم
من ان المعتمد كان قد عقد للموفق لحرب صاحب الزنج منذ عام 258 ،وخرج بنفسه
لتشييعه كما سمعنا. إلا أننا نرى الموفق إلى حين منازلته للصفار. لم ينازل
الزنج منازلة فعالة، وإنما كانت تلك المهمة ملقاة على عاتق قواد آخرون في
الدولة ، ولم ينازله الموفق، إلا بعد أن ظهر عجز الآخرين واندحارهم ، في زمن
متأخر جداً.
ثانيهما:
خروج هؤلاء الحكام : المعتمد والموفق ، من سامراء إلى بغداد كما سمعنا.
ـــــــــــــــــــ
(1)
انظر
الكامل ج6 ص7-8 والعبر في خبر من غير ج2 ص 24.
صفحة (327)
ثالثهما:
موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، الوزير ، الذي استوزره المعتمد
من حين تسلمه للحكم عام 256 . وكان له مع الامام العسكري عليه السلام واخيه جعفر
موقفاً محموداً ،فقد حصل موته فجأة بسبب سقوطه على دابته في الميدان .فسال
دماغه من منخريه واذنه فمات لوقته وذلك عام 263(1).
رابعهما: مشاكل صاحب الزنج: وقد حملنا عنه في الفصل الاول فكرة منفصلة وقد كان ذلك الى
ذلك الحين يحاول سبق الزمن في التخريب والقتل والاحراق وابادة الجيوش التي
تنازله واستباحة الاموال والنساء كما عرفنا.
ولعلنا
نستطيع ان نضع ايدينا على سبب آخر ، لانشغال الدولة عن ام المهدي عليه السلام
،هو موت ابن ابي الشوارب ،قاضي القضاة عام 261(2)
الذي عرفنا انها سلمت الى نسائه .
وعلى أي
حال ، فنفهم من ذلك أن أم المهدي (ع) ، بقيت تحت رقابة الدولة أكثر من عام
، بل
اكثر من عامين، لأننا عرفنا أن إلقاء القبض عليها كان بعد وفاة الإمام العسكري
عليه السلام ، بمدة غير طويلة، نتيجة لوشاية جعفر ... إذن فقد تم ذلك خلال شهر
ربيع الأول من عام 260.
على حين
ان هذه الحوادث التي دهمت الدولة ، وقع أولها وهو موت ابن أبي الشوارب عام 261
،وكانت واقعة الصفار عام 262 وموت الوزير عام 263.
ـــــــــــــــــــ
(1)
انظر
الكامل ج6 ص15 ، وأنظر الطبري أيضاً.
(2) الكامل ج6 ص21
صفحة (328)
|