|
||
|
ومن طريف ما فعل يومئذ: أنه بعد انهزام جيشه في قتال الأتراك ، دخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة مستنصراً للناس ، وهو ينادي : يا معشر المسلمين أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم .فلم يجبه أحد من العامة إلى ذلك (1). ونسمع للإمام تنبأ آخر عن موت المهتدي أسبق من ذلك التنبؤ بأيام مقروناً بتعليق سياسي. وذلك :ان المهتدي بعد ان استفحل الامر بينه وبين الموالي ،عزم على استئصالهم(2) وحلف قائلاً :لاجلينهم عن جديد الارض. فخطر في ذهن بعض اصحاب الامام ان انشغال المهتدي بذلك يصرفه عن ملاحقة الامام وتهديده له. فكتب الى الامام : يا سيدي ، الحمد لله الذي شغله عنك ، فقد بلغني أنه يتهددك. فانظر بما اجاب ... انه اذ يعيش الجو السياسي آنئذ يرى بوضوح ان الموالي اقوى من المهتدي واكثر عدة وعدداً. وإذا فهم الموالي قصده ضدهم.. فما اسهل من قتلهم اياه . ومن ثم يكون تهديده لهم جناية من نفسه على نفسه وقطعاً لعمره ، من دون ان يترتب غرضه. فقد وقع الإمام بخطه: ذاك أقصر لعمره .عد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس ، بعد هوان واستخفاف يمر به(3) . يشير إلى القتال والمناقشات وعدم خروج الناس لنصرته .. فكان كما قال(4). ــــــــــــــــــــ (1) الكامل ج5ص356 (2) على ما تقول الرواية – في تاريخنا الخاص – وهو امر غير معروف من التاريخ العام .وإن كان من القرائن الإجتماعية قائمة على صحته . (3) أعلام الورى ص356 (4) الإرشاد ص324
موقف المعتمد تجاه الإمام : نرى للمعتمد موقفاً غريباً لم يسبق لأحد من اسلافه أن قام به ، وهو موقف التذلل لإمام والتضرع إليه . فإنه كان يكفي لهذا الرجل أدنى تفكير ..ليتوصل إلى الشك في بقائه في الخلافة يوماً أو بعض يوم فضلاً عن العام والأعوام .إذ يكفي أن يستعرض آجال أسلافه من الخلفاء وكيف كتبها الموالي والأتراك بسيوفهم وآرائهم. ليدرك ضعف موقف الخلافة بشكل عام لا في السيطرة على الحكم فقط ، بل في السيطرة على الخلافة نفسها. إذن فهو بصفته سائراً في هذا الخط ، فلا يكون احسن حالاً من أسلافه ، بل قد يكون – في نظره- أسوأ حالاً باعتبار كونه مغلوباً على أمره مسلوباً عن التصرف بالكلية على حين أقوى منه وأكثر حرية وأنفذ حكماً. لذا فقد وجد أقرب طريق لدفع الشر المستطير عن نفسه وضمان طول عمره وامتداد حكمه .ولا زال في أول اعوام خلافته ، وأن يقصد الإمام عليه السلام في داره ويتضرع إليه ويسأله ان يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة ، فيجيبه الإمام قائلاً : مد الله في عمرك (1). ــــــــــــــــــــ (1) الناقب ص530ج3
انظر إلى هذه المدة التي حددها لنفسه ... إنها اقصى همة المعتمد وأبعد أهدافه !! ومهما يكن رأيك في الدعاء .. فإننا نجد أن مدة خلافته زادت على العشرين بثلاث سنين من عام 256هـ إلى عام 279هـ. كما يطلعنا على ذلك التاريخ العام .على حين لم يبق المتوكل – وهو أقوى خلفاء تلك الفترة – في الحكم غير خمسة عشر عاماً ،من عام 232هـ إلى عام 247هـ. ولعل السر في زيادة الثلاث سنين على العشرين هو أنه عاش بعد دعاء الإمام عشرين سنة .ولذلك تشير الرواية قائلة : فأجيب – يعني الإمام – وتوفى- المعتمد- بعد عشرين سنة(1) مع افتراض ان المعتد طلب الدعاء من الإمام بعد ثلاث سنين من خلافته ، يعني عام 259هـ. وهو أول عام لإحساسه بالضعف نتيجة لبدء سيطرة الموفق على دفة الحكم والإدارة ، بعد أن عقد له المعتمد بنفسه وعينه قائداً لحرب صاحب الزنج قبل هذا التاريخ بعام أي سنة 258هـ. ولكننا نستطيع الآن أن نرى بوضوح السر الطبيعي لإستجابة دعاء الإمام عليه السلام .فإن المعتمد كان واهماً في كون ضعفه وانصرافه عن الحكم موجباً لقلة مدته وقصر عمره. فإن القوم من الأتراك وغيرهم إنما كانوا يقتلون أسلافه نتيجة لغضبهم من تصرفاتهم وأقوالهم.وأما إذا كان الخليفة نكرة سلبياً لا قول له ولا فعل ...فهو الأمل الأساسي لهم لكي تنثني لهم الوسادة وتتفتح أمامهم الفرصة في التصرف التام في شؤون البلاد .ولعل المعتمد قد فهم ذلك – لا شعورياً على الأقل . ــــــــــــــــــــ (1) نفس المصدر والصفحة.
|
|