ففضل بقاءه في الخلافة على السعي إلى تطبيق المصالح الإسلامية العليا ومن ثم استكان للذل والإنعزال .وبهذا أمكن استجابة الدعاء وبقاء المعتمد في الخلافة هذه المدة المتطاولة التي تزيد على تاريخ وفاة الإمام العسكري بحوالي تسعة أعوام.

ولعلك لاحظت معي أيضاً ، كيف أن المعتمد يعرف موطن الحق ويؤمن في باطن نفسه بصحة موقف الإمام (ع) وعدالة قضيته، وإن كانت شؤون الملك العباسي قد أخذت بخناق المعتمد واوجبت غلظته على الامام (ع) وعلى اصحابه واما لو لم يكن المعتمد مؤمنا بذلك لما وجد أي داع في نفسه لمثل هذا الطلب والتضرع ،ولاختار شخصاً آخر للقيام بمثل هذه المهمة.

فليكن هذا على ذكر منك فإنه ينفعنا في تفسير جملة من تصرفات المعتمد عند وفاة الامام العسكري عليه السيلام.

واما موقف الامام (ع) في استجابته لطلب المعتمد في الدعاء له.

فقد كان واضحاً كل الوضوح ، فهو:

اولاً: لم يرد اعلان التمرد والخلاف على الدولة ، للذي عرفناه من سياسته وسياسة ابيه عليهما السلام. وكان رفضه لطلب الخليفة بالدعاء له تجسيداً لموقف التمرد والخلاف على الدولة ، بشكل او بآخر ، وهو ما لا يريده الإمام عليه السلام.

 

صفحة (177)

 

ثانياً : كان يريد عليه السلام اثبات الحجة على هذا الرجل وعلى غيره ممن يعرف هذه الواقعة ، حين يرى الناس، وبخاصة الخليفة نفسه، في نهاية حياته، أنه قد استجيب الدعاء وقد استمرت مدة  حكمه بالفعل عشرين سنة ، فيتأكد بذلك من عدالة قضية الإمام وانحراف الخط  الحاكم.

وقد يخطر في الذهن كان هذا الدعاء من الإمام (ع) يستوجب طول عمر شخص يعتقد الإمام نفسه ظالماً منحرفاً ، وجوابه: أن الإمام كان يعلم أن المعتمد متى وافته المنية – سواء طال زمانه ام قصر – فلن يخلفه شخص إلا مثله من حيث الفكرة والإتجاه .ولم يكن الإمام على ما عرفنا يخطط لنيل الحكم لكي يكون موت المعتمد موجباً لفوز الأمة الإسلامية بالحكم الإسلامي بقيادة الإمام عليه السلام. إذن فيتمحظ الموقف في حصول على المصالح التي اشرنا إليها ،وهي إقامة الحجة ضد موقف المعتمد ، لإثبات عدالة قضية الإمام وأصحابه.

خلط تاريخي:

والذي نود أن نشير إليه ، ونحن في صدد الكلام عن موقف الإمام من الخلفاء .أنه وقع في هذا الصدد بعض التخليط في الروايات ، حيث نذكر موقفاً للإمام العسكري عليه السلام تجاه المستعين(1) .وهذا لا يمكن أن يكون صحيحاً .فإن هذا الإمام وإن كان معاصراً لعهد المستعين إلا أن ذلك كان في زمان حياة أبيه عليه السلام قبل توليه الإمامة الفعلية، ونحن نعرف من العقائد الإسلامية أن كل إمام يبقى في زمان أبيه صامتاً غير ذي نشاط، وإنما يبدأ علاقاته ونشاطه كله بعد موت أبيه وتوليه الإمامة الفعلية لمواليه.؟

ــــــــــــــــــــ

(1) انظر الإرشاد ص321 وكشف الغمة 220


صفحة (178)

 

فهذه الروايات إما أن تكون مكذوبة ، من قبل الرواة أو انها تحتوي على تحريف وتخليط بين أسماء الخلفاء ، فإنه قد يحصل مثل هذا الإشتباه لمدى الإتشابه اللفظي بين القابهم. او انه حصل الاشتباه في اسم الامام عليه السلام ، إذ قد يكون الموقف لأبيه وقد نسب تشابه اللفظي بين القابهم. او انه حصل الاشتباه في اسم الامام عليه السلام ، إذ قد يكون الموقف لأبيه وقد  نسب إليه .باعتبار أن كليهما كان يسمى بالإمام العسكري ،وإن كان هذا اللقب على الحسن بن علي عليه السلام أشهر .

ومثله ما روى من علاقته عليه السلام بالمتوكل(1) فإنه لم يكن معاصراً لعصر إمامته عليه السلام. وقد التفت الإربلي في كشف الغمة(2) إلى هذا التخليط ونسبه إلى غلط الرواة والنساخ ثم قال: وللتحقيق حكم. أقول : وعلى أي حال تسقط هذه الروايات عن كونها صالحة للإثبات التاريخي.

النقطة الثانية : موقف الإمام العسكري من وزراء عصره.

نجد للإمام عليه السلام موقفاً حافلاً مع الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، الذي استوزره المعتمد في اول تسلمه الحكم عام 256هـ(3)  وله مجلس قصير معه يرويه لإبنه أحمد .

ــــــــــــــــــــ

(1)انظر المناقب ج3 ص220     (2)انظر ج3 ص220

(3)انظر الكامل ج5ص358والمروج ج4 ص111

(4)انظر في الإرشاد ص318 وأعلام الورى ص357 وغيرها.
 

صفحة (179)