وسنعرف تفاصيل ذلك فيما يلي:

وعندما توفي أبو جعفر العمري ، دفن عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه. قال الراوي: وهو الآن في وسط الصحراء. أقول :وقبره الآن مشيد معروف "بالخلاني" يزار للذكرى والتبرك .قدس الله روحه.

السفير الثالث :

هو الشيخ الجليل أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي .

من بني نوبخت.

وهو كغيره من السفراء وغيرهم ، لم تذكر عام ولادته ،ولا تاريخ مبدأ حياته. وإنما يلمع نجمه أول لمعانه كوكيل مفضل لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، ينظر في أملاكه ، ويلقي باسراره لرؤساء الشيعة وكان خصيصاً به ، حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه .فحصل في انفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم .ونشر فضله ودينه ،وما كان يحتمله من هذا الأمر " يعني الدعوة الإمامية المهدوية " .فمهدت له الحال في طول حياة أبي جعفر، إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه .فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد (1).

ــــــــــــــــ  
(1) غيبة الشيخ الطوسي ص227.


صفحة (406)
 

وقد قدم بعض الموالين بمال على ابي جعفر العمري مقداره أربعمئة دينار للإمام عليه لاسلام .فأمره بإعطاءها إلى الحسين بن روح .وحين تردد هذا الشخص في ذلك ، باعتبار عدم وصول السفارة إليه يومئذ .

فأكد له أبو جعفر عليه ذلك وأمره مكرراً بإعطاء المال لأبن روح ،وذكر له أن ذلك بأمر الإمام المهدي عليه السلام (1).

وكان تحويله على أبي القاسم ابن روح قبل موته بسنتين أو ثلاث(2) حتى ما إذا اشتدت بأبي جعفر العمري حاله، اجتمع لديه جماعة من وجوه الشيعة ، منهم :أبو علي بن همام وأبو عبد الله بن محمد الكاتب وأبو عبد الله الياقطاني وأبو سهل اسماعيل بن علي النوبختي ،وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه والأكابر. فقالوا لهم: هذا أبو لاقاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ، القائم مقامي ،والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه لاسلام، والوكيل والثقة والأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك أمرت. وقد بلغت (3).

ويروي عن أبي جعفر بن أحمد بن متيل ، وهو من متقدمي أصحابه واجلائهم ،أنه قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري الوفاة، كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه، وأبو القاسم ابن روح عند رجليه.

ــــــــــــــــ  
(1)
انظر المصدر السابق ص224

(2) نفس المصدر ص225

(3) نفس المصدر ص227

 

صفحة (407)
 

 فالتفت إلي ثم قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح .قال ابن متيل: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني ،وتحولت إلى عند رجليه(1). إلى غير ذلك من تأكيدات أبي جعفر عليه، وإعلان وكالته. والسبب المهم في هذا التأكيد ،هو كون الحسين بن روح ، لم يكن قد عاش تاريخاً زاهراً حافلاً بإطراء وتوثيق الأئمة عليهم لاسلام ، كالتاريخ الذي عاشه السفيران السابقان ، حتى قبل توليهما للسفارة .ومن ثم احتاج أبو جعفر العمري، من أجل ترسيخ فكرة نقل السفارة إلى الحسين بن روح ،وتوثيقه في نظر قواعده الشعبية الموالية لخط الإئمة عليهم السلام أن يكرر الإعراب عن مهمته في إيكال الأمر إليه، وأن يأمر بدفع أموال الإمام (ع) إليه قبل وفاته بعامين أو أعوام... بأمر من الإمام المهدي عليه السلام.

على ان أبا القاسم ابن روح، على جلالة قدره وقربه من السفير الثاني واختصاصه به ، لم يكن خير أصحابه، ولم يكن ألأخص تماماً به ، فقد كان  لأبي جعفر من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس وأبو القاسم ابن روح – رضي الله عنه – فيهم . وكلهم كانوا أخص به من ابن روح ، حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب فإنه ينجزه على يد غيره ، لما لم تكن له تلك الخصوصية .فلما كان وقت مضى أبو جعفر – رضي الله عنه- وقع الإختيار عليه ، وكانت الوصية إليه(2).

ــــــــــــــــ  
(1) انظر الغيبة ص226. 
(2) المصدر ص225. 

صفحة (408)