وعلى أي حال ، فهو يصبح من ذلك الحين السفير الاول للمهدي عليه السلام ،بنص الامام العسكري عليه السلام، كما سمعنا، ونص الامام المهدي امام وفد القميين، كما سبق في القسم الاول من هذا لكتاب ...فيضطلع بالمهمة العظمى في ربط الامام بقواعده الشعبية وتبليغ توجيهاته وتعاليمه وانحاء تدبيره وادارته اليه وتنفيذ اوامر الامام وتوجيهاته فيهم .

ويبقى أبو عمرو مضطلعاً بمهام السفارة ، قائماً بها خير قيام ، إلى أن يوافيه الأجل .فيقوم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بتغسيله وتجهيزه(1). ويدفن كما قال أبو نصر هبة الله محمد – في الجانب الغربي من بغداد ، في شارع الميدان في أول الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب ، يمنة الداخل إليه ،والقبر في نفس قبلة المسجد .

قال الشيخ الطوسي: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره ،وكان بني في وجهة الحائط ، به محراب المسجد ،وإلى جنبه  باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزور مشاهرة .

قال : وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان واربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين واربعمائة .

ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج ،وأبرز القبر إلى  برا – أي الى الخارج – وعمل عليه صندوقاً ، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره.

ــــــــــــــــ  
(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص221.

 صفحة (400)
 

 

قال الشيخ : ويتبرك جيران المحلة بزيارته ،ويقولون :هو رجل صالح ،وربما قالوا :هو ابن داية الحسين (ع). ولا يعرفون حقيقة الحال فيه .وهو إلى يومنا هذا – وذلك سنة سبع وأربعين واربعمائة – على ما هو عليه(1).

أقول : وقبره شهيد الآن مشيد معروف ببغداد ، يزار ويتبرك به.

ونستطيع أن نعرف من جهالة الناس لحقيقة قبره في زمان الشيخ الطوسي "قده" مقدار الغموض والكتمان الذي كان يحيط السفارة المهدوية ، في حياة السفير وبعد مماته ، بل بعد ما يزيد على مائتي سنة على دفنه .

ولم يفت أبو عمرو قبل وفاته ، أن يبلغ أصحابه وقواعده الشعبية ، ما هو مأمور به من قبل المهدي عليه السلام ، من إيكال السفارة بعده إلى ابنه محمد بن عثمان ، وجعل الأمر كله مردوداً إليه(2).

ويكون لوفاته رنة أسى في قلوب عار في فضله ومقدري منزلته وخاصة الامام المهدي (ع) نفسه، فنراه يكتب إلى ابنه السفير الثاني يعزيه بابيه قائلاً: انا لله وانا إليه راجعون. تسليماً لأمره ورضاءً بقضائه. عاش أبوك سعيداً ومات حميداً ، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام ،فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربهم إلى الله عز وجل وإليهم . نضر الله وجهه وأقال عثرته.

ــــــــــــــــ  
(1) المصدر ص218

(2) غيبة الشيخ الطوسي ص221.
 

صفحة (401)
 

وفي فصل آخر من كتابه اليه يقول عليه السلام: اجزل الله لك الثواب واحسن لك العزاء ، رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا فسره الله في منقلبه .كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ،ويترحم عليه، وأقول: الحمد لله ،فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله تعالى فيك وعندك.

أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً (1).

وفي هذين النصين ، من المعاني الإسلامية السامية ، في اسلوب الترحم على المؤمن والدعاء له والثناء عليه، ما فيه بصيرة لمن ألقى السمع وهو شهيد .

السفير الثاني :

هو الشيخ الجليل محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، تولى السفارة بعد أبيه ، بنص من الامام العسكري عليه السلام، حيث قال عليه السلام لوفد اليمن الذي أشرنا إليه: واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد وكيلي ،وان ابنه محمد وكيل ابني مهديكم (2). وبنص أبيه على سفارته بأمر من المهدي (ع)(3).

ــــــــــــــــ  
(1) المصدر ص220 وما بعدها.

(2) المصدر ص216.

(3) المصدر ص218 و221.


صفحة (402)