الفصل الثالث

 

السفراء الأربعة

حياتهم ونشاطهم

 

 

عرفنا ان السفراء الاربعة، الذين تولوا الوكالة الخاصة عن الإمام المهدي عليه السلام خلال غيبته الصغرى هم كل من: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري. ووحودهم يشكل في الواقع المزية الرئيسية لهذه الفترة، وبانتهائهم انتهى عهد الغيبة الصغرى.

وضبط السفراء بهذا الشكل من ضروريات المذهب لدى المعتقدين بغيبة الامام المهدي عليه السلام، ومن واضحات تاريخهم الخاص، فلا حاجة إلى تجشم العناء في اثباته.

وإنما المهم هو التكلم أولاً في حياتهم الشخصية وترجمة كل واحد منهم وسرد ما ورد في شأنهم من نصوص. ثم التكلم ثانياً عن أساليبهم في التبليغ وطرقهم في الاتصال بالناس. ومن ثم نقسم هذا الفصل إلى قسمين رئيسين:

القسم الأول

 

في تراجم السفراء الأربعة

 

ان التعرض إلى حياة السفراء الأربعة الخاصة والعامة ، سيكون في حدود ما وصل إلينا من تاريخهم .

 

السفير الأول:

هو الشيخ الموثوق محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، أبو عمرو الأسدي . وإنما سمي العمري نسبة إلى جده. وقد قال قوم من الشيعة: إن أبا محمد بن علي العسكري عليه السلام قال : لا يجمع على امرىء بين عثمان ، وأبو عمرو ، وأمر بكسر كنيته فقيل : العمري(1) بفتح العين وسكون الميم.

ويقال له العسكري أيضاً ، لأنه كان من عسكر وهي سامراء ويقال له : السمان لأنه كان يتجر بالسمن تغطية على الأمر . وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ، ويحمله إلى ابي محمد (ع) تقية وخوفاً (2).
ــــــــــــــــ  

(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص214

(2) المصدر السابق ص214


صفحة (396)


له من الأولاد : محمد وهو السفير الثاني ، وأحمد(1).

لم يرد في المصادر التاريخية تحديد عام ولادته ،ولا عام وفاته ،وإنما يرد اسمه أول ما يرد كوكيل خاص للإمام الهادي عليه السلام (2). وكان يستوثقه ويمدحه بمثل قوله: هذا أبو عمر الثقة الأمين .ما قاله لكم فعني يقول ، وما أداه إليكم فعني يؤديه(3).

وهذا النص بنفسه، يدل على سنخ النشاط الذي كان يقوم به أبو عمرو، وهو نقل المال والمقال من الامام الهادي (ع) ،وإليه فكان يمثل مع جماعة آخرين دور الوساطة بينه وبين قواعده الشعبية، في الفترة التي عرفنا أن الامام (ع) بدأ بتطبيق مسلك الاحتجاب عن مواليه تعويداً لهم على الغيبة التي سوف يواجهونها في حفيده المهدي (ع).

وحين يلقى الإمام الهادي عليه السلام ربه عام 254 ، يصبح أبو عمرو وكيلاً خاصاً موثوقاً للإمام العسكري عليه السلام ، ذا نشاط ملحوظ وبراعة في العمل .فقد سمعنا كيف كان يحمل المال في زقاق السمن ،ويسير على المسلك الذي يخطه له الإمام في الإخفاء والتكتم ، ويظهر أمام الناس كتاجر اعتيادي بالسمن، تغطية على حاله ومسلكه وعقيدته .

ــــــــــــــــ  
(1)
نفس المصدر ص256

(2) انظر غيبة الشيخ الطوسي ص215 ورجاله ص

(3)غيبة الشيخ الطوسي ص215


صفحة (397)

 

وكان الامام العسكري عليه السلام يكثر من مدحه والثناء عليه في مناسبات مختلفة ، وامام اناس كثيرين.

فمن ذلك انه (ع) قال: هذا ابو عمرو الثقة الامين . ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات. فما قاله لكم فمعنى يقوله ،ما أدى إليكم فعني يؤدي(1) ، وقال امام وفد من اليمن: امض يا عثمان ، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ..(2)

حتى اشتهر حاله وجلالة شأنه بين الشعب الموالي .قال ابو العباس الجميري: فكنا كثيراً من نتذاكر هذا القول ، ويعني مدح الامام العسكري له، ونتواصف جلالة محل ابي عمرو(3) وقال وفد اليمن حين سمع من الامام مدحه: يا سيدنا ان عثمان لمن خيار شيعتك ،ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وانه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى(4). فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالته (5) وتتسالم على وثاقته وجلالة قدره.

وحين يولد للامام العسكري عليه السلام ولده المهدي يبعث إلى أبي عمرو يأمره بأن يشتري عشرة الاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم ويفرقه على بني هاشم ، وأن يعق بكذا وكذا شاة (6).

ــــــــــــــــ  
(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص215.
   (2) نفس المصدر ص216.

(3) نفس المصدر ص215.            (4) المصدر نفسه ص216.

(5) المصدر والصفحة .                (6) الاكمال المخطوط.

 

صفحة (398)
 

وينص الإمام العسكري (ع) في مجلس حافل بالخاصة ، يعدون بأربعين رجلاً ، عرض فيه ولده المهدي عليه السلام ونص فيه على امامته وغيبته ..ينص على وكالة عثمان بن سعيد عن المهدي (ع) وسفارته له قائلاً : فاقبلوا من عثمان ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره ، أو اقبلوا قوله فهو خليفة امامكم والامر إليه(1).

زحين يلقى الإمام العسكري عليه السلام ربه ، عام 260 ، يحضر أبو عمرو وعثمان بن سعيد تغسيله ، ويتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه واقباره(2). وبرر الشيخ الطوسي ذلك بأنه كان "مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها"(3) يشير إلى اختفاء المهدي عليه السلام ،وعدم تمكنه من القيام بتغسيل والده والقيام بأمره .ولكننا – على أي حال – سبق أن سمعنا كيف أن الإمام المهدي عليه السلام ،اقام الصلاة على ابيه بنفسه،ودفع عن ذلك عمه جعفر امام جماعة من الناس، منهم عثمان بن سعيد السمان نفسه .ومن ثم يمكن القول: بأنه يمكن للامام المهدي عليه السلام ان يغسل اباه في داره سراً ،قبل ان ينقل جثمانه امام الجمهور .وظاهر عبارة الشيخ قيامه عليه السلام بالتغسيل بحضور ابي عمرو .ثم قيامن ابي عمرو بنفسه بباقي شؤونه من تكفين وتحنيط واقبار. والله العالم بحقائق الامور.

ــــــــــــــــ  
(1) غيبة الشيخ ص217 .

(2) المصدر ص216.

(3) المصدر والصفحة.


صفحة (399)