![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
|
إذا كانت السفارة سراً بين الخاص من اهل هذا الشأن ، وكان ما يحمل إلى ابي جعفر – السفير الثاني – لا يقف من يحمله على خبره ولا حاله وإنما يقال: امض إلى موضع كذا وكذا فسلم ما معك من غير ان يشعر بشيء ، ولا يدفع إليه كتاب الوصول لئلا يتسرب إلى الدولة شيء من ذلك (1). وقد سمعنا مقدار الخفاء والتكتم الذي كان يلتزمه السفير الأول عثمان بن سعيد ، حين كان ينقل المال في جراب الدهن ..ومقدار التقية التي كان يسير عليها السفير الثالث ابن روح في حياته العامة . وسيأتي التعرض لتفاصيل هذا المسلك فيما يلي من البحث والذي نريد ا لتوصل اليه الآن ،وهو ان هذا المسلك يدل لا محالة على سببه .فان هؤلاء السفراء لو كانوا يشعرون بنسيم من الحرية او غض النظر من الدولة، في أي يوم من ايامهم لم تصل الحال إلى هذا التكتم الشديد والإخفاء المضاعف العميق. فهذا المسلك نفسه ، يدل بكل وضوح على ما كان يشعر به هؤلاء من الضغط والمطاردة والمراقبة ومن العقاب الصارم والنتائج الوخيمة لو ظهر منهم أمر أو حصلت الدولة تجاههم على مستمسك خطير .
ــــــــــــــــ
الأمر الثالث: مظاهر الاضطهاد الواسع للقواعد الشعبية الامامية ولعدد من كبرائهم ايضاً. يكفينا في ذلك العدد الضخم الذي ضبطه أبو الفرج في المقاتل(1) ممن قضت عليه الدولة من العلويين، وفيهم العظماء والفقهاء. ونحن وإن ذكرنا قلة وجود الثورات الداعية إلى الرضا من آل محمد خلال هذه الفترة ،إلا أن المصروعين تحت يد الدولة ، مما لا يمكن احصاؤه. الأمر الرابع: المطاردة الجادة للإمام المهدي عليه السلام ، ومحاولة القاء القبض عليه مهما كلفها الأمر، والدولة وان اعتبرته في ظاهر قانونها الشخصي غير معترف بوجوده ،إلا أنها تعرف بوضوح – متمثلة بشخص الخليفة وبعض خاصته – كون المهدي عليه السلام هو الممثل الحقيقي للحق والعدل الاسلامي الذي يهز كيانها المنحرف من الصميم. ومن ثم كانت الدولة تجرد بين الحين والحين، حملة لكبس داره وتفتيشها ، ولم تكن تفلح في أي منها بالوصول إلى غرضها المطلوب . وقد ورد في تاريخنا الخاص ثلاث حملات للكبس ، نذكرها في مستقبل البحث إن شاء الله تعالى ،مضافاً إلى الانتباه المتواصل ، والاصغاء الدائم إلى كل كلمة وكل عمل يشير إليه أو يدل عليه من قريب أو من بعيد.. فإذا كان رأي الدولة ومسلكها تجاه الامام القائد هو ذلك، فكيف رأيها ومسلكها تجاه القواعد الشعبية؟. وكم ستشعر هذه القواعد بالضغط والمطاردة .بمجرد أن تعرف – وهي دائماً ملتفتة عارفة – بمطاردة إمامها وغيبة قائدها خوفاً وتكتماً من السلطات.
ــــــــــــــــ
فهذه الأمور بكل وضوح ، على الجو المكهرب الذي كان يعيشه الشعب الموالي للإمام عليه السلام، بالرغم من الهدوء والتسامح الظاهري الذي يعكسه التاريخ العام عن الدولة في تلك الفترة . ومن المستطاع القول، ان الدولة انما لم نتكل بهم وتذيقهم ظلمة السجن وحر السيف بوضوح.. لأنهم كانوا أبرع منها في تدبير أمورهم وإخفاء نشاطهم ، إلى حد لن تستطع عيون الدولة أن تصل إلى شيء صادر منهم يعد خطراً على الدولة أو يدل من قريب أو من بعيد على وجود المهدي (ع) . والدولة إذ تعدم ذلك ، تكون بطبيعة الحال ، أهدأ بالاً ، مما إذا عثرت على شيء من ذاك القبيل .ومن ثم استطاعت الدولة ان تحتفظ على هدوئها النسبي الظاهري خلال فترة الغيبة الصغرى ، بفضل جهود السفراء وخواصهم بالاخفاء و التكتم ، بحيث لا يظهر منهم ما يثيرها أو ينفرها. وبعد هذه الجولة الموجزة في الاتجاهات العامة السائدة في المجتمع خلال هذه الفترة ..لا بد لنا من الدخول في تفاصيل تاريخ الغيبة الصغرى. فنتكلم أولاً عن الوكلاء الأربعة في حياتهم الشخصية ووكالتهم وأسلوب نشاطهم، ونحو ذلك من الأمور. ثم نتكلم عن ظاهرة الوكالة التي ادعاها عدة أشخاص في تلك الفترة ،مع الإلماع إلى أساليبهم وطرق دفعهم ومحاربتهم من قبل المهدي عليه السلام من ناحية، ومن قبل الدولة من ناحية أخرى .ثم نبدأ بالتكلم عن المهدي عليه السلام بشخصه ، لنتعرف على حياته ونشاطه وتوجيهاته ،خلال هذه الفترة. وهذا ما نعتمده خلال الفصول الآتية .
|
|
![]() |
![]() |
|