أحدهما: أن التعليق إذا كان على ما يمس الدولة من قريب أو بعيد ، او على ما تؤيده من أشخاص أو أحداث .. كان ذلك إعلاناً صريحاً للخلاف على الدولة ..الأمر الذي لا يعرض الفرد الذي وجد عنده او سمع منه ذلك، للخطر فقط ..بل يعرض جماعة كبيرة من متعلقيه بل سائر افراد الشعب الموالي للامام عليه السلام ، إلى أنحاء من الخطر وأنواع من التهديد هم في غنى عنه لولا ذلك ، وهو مما لا يريده لهم الإمام المهدي عليه السلام ، كما لم يكن يريده لهم آباؤه عليهم السلام .

ثانيهما: إن تعليق الإمام على الأحداث سواء كان مما يوافق الدولة أو يخالفها ، يدل على وعي من وجد عنده أو سمع منه، بل يدل على وعي جماعة ممن يكونون بمستواه الثقافي والفكري، وهذا معناه – كما تدركه الدولة بوضوح- كون الفرد والجماعة على مستوى الأحداث ،وعلى مستوى تحمل المسؤولية .وإجابة نداء الحق وإطاعة تعاليم الإمام المهدي على أي مستى من المستويات.

وهذا ما تخافه الدولة وتخشاه بكل كيانها وطبقاته، وتقف دونه بكل قواها .فإذا عطفنا على ذلك إحساس الدولة بما يصدر عنها من ظلم وجهلها بقلة الواعين المخلصين ، استطعنا أن نشعر بعظم الخطر وتفاقم الخطب.

ومن ثم كان المهدي(ع) يرى ضرورة التخلص من هذا الإحساس أساساً ، وذلك: بعدم إشعار الدولة بوعي الواعين من مواليه، تجنيباً لهم عن الأخطار، وتمكيناً لهم بالإتصال بالناس بشكل أوسع، من أجل حفظ المصالح الكبرى التي يتوخاها الإمام المهدي في المجتمع .


صفحة (378)
 

وان من اسهل الطرق لذلك، هو ان لا يوجد بينهم او على السنتهم أي تعليق "رسمي" عل أي حادث اجتماعي او سياسي، زاذا وجد شيء من ذلك  فلا بد ان يبقى منحصراً في النطاق  الخاص ، محروساً عن الوصول إلى الدولة أو إلى أي عميل من عملائها ،ومن ثم نسمع أنه حين كان جماعة من الخاصة في مجلس السفير محمد بن عثمان العمري يتذاكرون شيئاً من الروايات وما قاله الصادقون عليهم السلام ، حتى أقبل ابو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي ، ابن أخي أبي جعفر العمري (رض) .فلما بصر به أبو جعفر ، قال للجماعة : أمسكوا فإن هذا الجائي ليس من أصحابكم(1).

والذي أودع الإلماع إليه في المقام مختصراً ، هو أن ندرة التعليق الإجتماعي الواعي ،من الأمام المهدي عليه الاسلام ، إنما يدل على وجود مثل هذه المصالح ، ولا يدل على كون الإمام المهدي عليه السلام بعيداً عن الأحداث منصرفاً عن تطورات المجتمع.

ولا نريد في المقام ، ان نستشهد ، بما نعتقده في الإمام من العصمة والتعليم الإلهي، وأنه متى ما شاء أن يعلم فإنه يعلم ، كما لا نريد أن نقول بأن نفس فكرة السفارة وما يترتب على ذلك من المصالح لأكبر دليل على استيعاب المهدي للأحداث ، ووعيه الكامل للمشاكل وحلولها الإسلامية على المستوى القيادي لا على المستوى الإعتيادي.
ــــــــــــــــ

(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص256


صفحة (379)
 

بل غاية ما نذكره هو الاشارة الى الروايات المتعددة الواردة في تاريخنا الخاص ، الدالة بكل وضوح على ذلك ، كتركه عليه السلام للجواب على سؤال شخص كان قد اصبح قرمطياً(1) وكالذي قاله لعلي بن مهزيار الاهوازي في شأن أهل العراق(2) زكالبيان الذي صدر منه عليه السلام للشيخ المفيد عليه الرحمة ،وقد تضمن جملة من الأفكار والأخبار(3) وقصة شقة لثوب المرجي(4) وغير ذلك من الروايات الدالة على استعراض الإمام المهدي للأحداث ومتابعته للمشاكل الإجتماعية ، وسيأتي تفصيل ذلك بما يزيده وضوحاً ورسوخاً.

فهذه هي النقاط الرئيسية للاتجاه العام الذي كان يلتزمه الامام عليه السلام لبان غيبته الصغرى . استعرضناه بنحو الاختصار ،وسيأتي تفصيل الحوادث المشار إليها ، في الفصول الآتية من الكتاب .

القسم الثاني: الإتجاه العام للشعب الموالي .

ــــــــــــــــ

(1) الإرشاد ص332          (2) الغيبة للشيخ الطوسي ص161

(3) انظر الإحتياج ص322   (4) أنظر منخب الأثر ص386 وغيره.


صفحة (380)