قالوا: فلما بلغ ذلك المهدي أبا محمد عبيد الله العلوي بإفريقية كتب إليه ينكر ذلك ويلومه ويلعنه ويقيم عليه القيامة. .ويقول: قد حققت على شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت وإن لن ترد على اهل مكة وعلى الحجاج وغيرهم ما أخذت منهم وترد الحجر الأسود إلى مكانه وترد كسوة الكعبة ،فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة.

فلما وصله هذا الكتاب أعاد الحجر الأسود ، واستعاد ما امكنه من الأموال من أهل مكة فرده . وقال: إن الناس اقتسموا كسوة الكعبة وأموال الحجاج ولا أقدر على منعهم.

وفي هذا دلالة واضحة على تبعية القرامطة للمهدي الإفريقي وكونهم القائمين بنشر دعوته وقتل مخالفيه في الشرق .ومن ثم صح له أن ينصب من نفسه قيماً على امالهم ومشرفاً على تصرفاتهم ، وكأنه لم يجد من أعمالهم شيئاً منكراً إلا قلع الحجر الأسود . ولله في خلقه شؤون.

وعلى أي حال. فمن المستطاع القول ، أن اكثر هذه الفترة التي نؤرخ لها ، كانت مسرحاً لعبث القرامطة بين مد وجزر.

الأمر السادس: من خصائص هذا العصر، أنه شهد ميلاد الدولة البويهية، عام 321 (1)، حيث اتسعت قيادة وسيطرة عماد الدولة على بن بويه في فارس ، وتوسع ملك الدولة البويهية نتيجة لذلك في ظروف  لسنا ألان بصدد تفصيلها.

ـــــــــــــــــــ
(1) الكامل ج6 ص204 وما بعدها.

(2) المصدر ص230


صفحة (361)
 

الأمر السابع : قلة عدد الثوار العلويين في هذه الفترة ، التاريخية فإننا قد لاحظنا في الفترة السابقة كثرة عدد الثوار منهم ، حيث قارب عدد القائمين بالسيف ، ممن وصلنا ذكره منهم: العشرون ثائراً في أقل من نصف قرن، بينما نرى أن السبعين سنة التالية، وهي الفترة التي نؤرخ لها الآن، تكاد نكون خالية من ذلك إلا في حدود الأفراد القلائل.

وأبو الفرج الأصبهاني ، وإن ذكر في المقاتل لهذه الفترة عدداً من المقتولين ، إلا أن من باشر الحرب منهم لا يزيد على اثنين أو ثلاتة .

واالباقون كلهم بين ميت في السجن وبين مقتول بسيف القرامطة أو بسيف الدولة العباسية بدون حرب(1).

ويعود السبب في ذلك إلى أمرين:

الأمر الأول: استغراق أكثر هذه الفترة بحروب القرامطة وتحركاتهم ضد الدولة. ومن الواضح أن كل ثورة تحدث في معارضة الدولة في ذلك العصر، فإنها تنسب من قبل دعايات الدولة إلى تأييد القرامطة وممالاتهم والإشتراك معهم ضد الجهاز الحاكم. وهذا ما لا يريده الثوار لأنفسهم .. كيف لا ، وهم يعلمون أن القرامطة مختلفون معهم في العقيدة .. ويستحلون دماءهم ، بل يبدءون بقتلهم قبل غيرهم ، لما عرفنا من تأولهم لقوله تعالى : "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار".

ـــــــــــــــــــ
(1) المقاتل ج3 ص495 وما بعدها.


صفحة (362)
 

وقد قتلوا بعضاً منهم في طريق مكة(1) . فإتهامهم بتبعية القرامطة ، كما حدث لإثنين منهم (2) أمر غير صحيح.

الأمر الثاني: وهو – بكل تأكيد – أهم من السبب الأول. وهو انتهاء زمن ظهور الأئمة المعصومين عليهم السلام وانقطاع اتصالهم بالناس ،بأول يوم من وفاة الإمام العسكري عليه السام وابتداء الغيبة الصغرى التي نعرض لتاريخها الآن.

وقد عرفنا في تاريخ الفترة السابقة ، مدى تأثير وجود الأئمة عليهم السلام وتوجيههم المباشر وغير المباشر للثورات الداعيى إلى الرضا من آل محمد (ص) ...بنحو استطاع الأئمة أن يخفوه عن السلطات تماماً ،ومن المعلوم ما للأئمة عليهم لاسلام من مكانة في المجتمع الإسلامي وتأثير معنوي في النفوس .وتأريخ جليل حافل بجلائل الأعمال ، مما يوفر لكلامهم وتوجيههم وخاصة في نفوس الثائرين الغاضبين على الظلم والعصيان ، طريقاً مهيعاً للإندفاع والتأثير.

واما في هذه الفترة ، وبعد أن غاب آخر الأئمة المهدي عليه السلام وانقطع عن الإتصال بالناس والإحتكاك بقواعده الشعبية ..فقد تضاءل ذلك الدافع الثوري والتوجيه القوي إلى التمرد والقيام بالسيف.

ــــــــــــــــ
(1) المصدر ص500     (2) المصدر ص499


صفحة (363)