|
||
|
وأقصد بالامكان العلمي ، ان هناك اشياء قد لا يكون بالامكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة ، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة الى ما يبرر رفض امكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة ، فصعود الانسان الى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه ، بل ان أتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى امكان ذلك وان لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك ، لأن الفارق درجة ، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلا مرحلة تذليل الصعاب الاضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد ، فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وان لم يكن ممكناً عملياً فعلاً . وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنه غير ممكن عملياً ، بمعنى ان العلم لا أمل له في وقوع ذلك إذ لا يتصور عملياً وتجريبياً امكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس ، التي تمثل آتوناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال انسان .
وأقصد بالامكان المنطقي أو الفلسفي ان لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية – أي سابقة على التجربة – ما يبرر رفض الشئ والحكم باستحالته .
فوجود ثلاث
برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر الى نصفين ليس له امكان منطقي ، لأن العقل
يدرك – قبل أن يمارس أي تجربة – ان الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً فلا يمكن ان
تنقسم بالتساوي لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً فتكون فرداً وزوجاً في
وقت واحد وهذا تناقض ، والتناقض مستحيل منطقياً . ولكن دخول الانسان في النار
دون أن يحترق وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من
الناحية المنطقية إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر
حرارة الى الجسم الأقل حرارة ،
وانما هو مخالف للتجربة التي اثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة الى
الجسم الاقل حرارة الى ان يتساوى الجسمان في الحرارة .
صفحة (28) وهكذا تعرف ان الامكان المنطقي أوسع دائرة من الامكان العلمي ، وهذا أوسع دائرة من الامكان العملي . ولا شكّ في ان امتداد عمر الأنسان آلاف السنين ممكن منطقياً ، لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية ، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي نتاقض ، لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع ولا نقاش في ذلك .
كما لا شكّ أيضاً
ولا نقاش في ان هذا العمر الطويل ليس ممكناً امكاناً عملياً على نحو الامكانات
العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر ، ذلك لأن العلم بوسائله
وأدواته الحاضرة فعلاً ، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة ، لا
تستطيع أن تمدد عمر الانسان مئات
السنين ، ولهذا تجد أن أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير امكانات
العلم ، لا يتاح لها من العمر إلا بقدر ما هو مألوف . |
|