ويتساءلون أيضاً بالنسبة إلى ما اعدَّ له هذا الفرد من دور في اليوم الموعود ! .. كيف يمكن أن يكون للفرد هذا الدور العظيم الحاسم في حياة العالم ، مع ان الفرد مهما كان عظيماً لا يمكنه أن يصنع بنفسه التاريخ ، ويدخل به مرحلة جديدة ، وانما تختمر بذور الحركة التاريخية وجذوتها في الظروف الموضوعية وتناقضاتها ، وعظمة الفرد هي التي ترشحه لكي يشكل الواجهة لتلك الظروف الموضوعية ، والتعبير العملي عما تتطلبه من حلول ؟

ويتساءلون أيضاً ! ما هي الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتمُّ على يد ذلك الفرد من تحول هائل وانتصار حاسم للعدل ورسالة العدل على كل كيانات الظلم والجور والطغيان ، على الرغم مما تملك من سلطان ونفوذ ، وما يتواجد لديها من وسائل الدمار والتدمير وما وصلت اليه من المستوى الهائل في الامكانات العلمية والقدرة السياسية والاجتماعية والعسكرية !


 
صفحة (23)
 

هذه اسئلة قد تتردد في هذا المجال وتقال بشكل وآخر ، وليست البواعث الحقيقية لهذه الاسئلة فكرية فحسب ، بل هناك مصدر نفسي لها أيضاً ، وهو الشعور بهيبة الواقع المسيطر عالمياً وضآلة أي فرصة لتغييره من الجذور ، وبقدر ما يبعثه الواقع الذي يسود العالم على مرِّ الزمن من هذا الشعور تتعمق الشكوك وتترادف التساؤلات. وهكذا تؤدي الهزيمة والضآلة والشعور بالضعف لدى الانسان ، إلى ان يحسَّ نفسياً بإرهاق شديد لمجرد تصور عملية التغيير الكبرى للعالم التي تفرغه من كل تناقضاته ومظالمه التاريخية ، وتعطيه محتوىً جديداً قائماً على أساس الحق والعدل ، وهذا الارهاق يدعوه إلى التشكك في هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر.

ونحن الآن نأخذ التساؤلات السابقة تباعاً ، لنقف عند كل واحد منها وقفة قصيرة بالقدر الذي تتسع له هذه الوريقات .

 
صفحة (24)
 

1- كيف تأتّى للمهدي

 

وبكلمة أخرى هل بالامكان ان يعيش الانسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم ، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً حوالي (14) مرة من عمر الانسان الاعتيادي الذي يمرُّ بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة ؟

وكلمة الامكان هنا تعني أحد ثلاثة معانٍ ، الامكان العملي ، والامكان العلمي ، والامكان النطقي أو الفلسفي ، واقصد بالامكان العملي ، أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك ، أو لإنسان آخر فعلاً ان يحققه ، فالسفر عبر المحيط ، والوصول إلى قاع البحر ، والصعود الى القمر ، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً . فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر .

 صفحة (26)