ان التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة هو أنها أدركت إن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً .

والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع ، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها بينما لم يحدثنا إطلاقاً عن موقف تزعزت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه .

وهذا معنى ما قلناه من أن الإمام المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليست مجرد افتراض ، كما أن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عبر الرسالات والزعامات الربانية ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت (ع) يحيى (ع) إذ قال الله سبحانه وتعالى: ( يا يحيى خُذ الكِتابَ بِقُوةٍ وآتيْناه الحكْم صبياً )(1).

ومتى ثبت أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت لم يعد هناك اعتراض فيما يخص إمامة المهدي " عليه السلام " وخلافته لأبيه وهو صغير .

ــــــــــــــــــــــ
(1) سورة مريم آية 12 .

 

صفحة (63)
 

4. كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد !

ونصل الآن إلى السؤال الرابع وهو يقول : هل أن فرضية المنتظر ممكنة بكل ما تستنبطه من عمر طويل وإمامة مبكرة وغيبة صامتة فإن الإمكان لا يكفي لاقتناع بوجوده فعلاً . فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي ؟ وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (ص) للاقتناع الكامل بالأمل الثاني عشر على الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجوداً تاريخياً حقاً وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس ؟

 

صفحة (66)
 

والجواب : أن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً ، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرق إليها الشك ، وقد أحصيى أربعمائة حديث عن النبي (ص) من طرق أخواننا أهل السنة (1) كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية (2) ، وهذا رقم احصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة .

وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر " عليه الصلاة والسلام " فهذا ما توجد مبررات كافية وواضحة للاقتناع به .

ــــــــــــــــــــــــــ

(1)   يلاحظ كتاب ( المهدي) للسيد (العم ) الصدر قدس الله روحه الزكية .

(2) يلاحظ كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر الشيخ لطف الله الصافي.

     صفحة (67)