وإن الخلافة المعاصرة للأئمة (ع) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدراتها ، وعلى هذا الأساس بذلك كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينا اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة أنفسهم على الرغم مما يخلفه ذلك من شعور بالألم أو الإشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم .

إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار ، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك ، أمكن أن نخرج بنتيجة وهي : أن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام، لأن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين ، ويدين له بالولاء والإمامة كل ذلك التيار الواسع لا بد أن يكون على قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد.


صفحة (60)
 

لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته مع ما تقدم من أن الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة ، أن تسلط على حياتهم وموازين شخصيتهم . فهل ترى أن صبياً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأى ومسمع من جماهير قواعده الشعبية فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلف نفسها اكتشاف حلة وبدون أن تهزها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام ؟ وهب أن الناس لم يتحركوا لاستطلاع الموقف ، فهل يمكن أن تمر المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس ؟ وهل من المعقول أن يكون صبياً في فكره وعلمه حقاً ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل ؟

 

صفحة (61)
 

وإذا افترضنا أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يتح لها أن تكتشف واقع الأمر فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها ؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان ، وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية . فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لتسلم الإمامة فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون ، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتجتها السلطات وقتئذٍ .


صفحة (62)