حيث نجد الإمام عليه السلام ، يقف أمام عمه وجهاً لوجه، ويصارحه بالحق ، توخياً إلى كفكفة اندفاعه والتخفيف من النتائج المؤسفة التي ترتبت على اعماله ...لو كان جعفر. ممن يمكن أن يؤثر فيه النصح والتوجيه.

فنراه عليه السلام ، حينما ينازع جعفر في الميراث ، ويحاول الإستيلاء عليه ، يخرج عليه السلام على عمه من موضع لم يعلم به ويجابهه بالقول : يا جعفر مالك تعرض في حقوقي . ثم يغيب عنه ويذهب (ع) إلى حيث لا يعلم به عمه ، فيتحير جعفر ويبهت ، ويطلبه بعد ذلك في الناس ويحاول أن يقع له على اثر فلم يستطع.

وفي حادثة أخرى بعد ذلك ، نجد المهدي عليه السلام يقف من عمه مثل هذا الموقف الحاسم . وذلك :أن الجدة أم الإمام العسكري عليه السلام ، توفيت ،وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار ..إلى جنب زوجها وولدها الإمامين العسكريين عليهما السلام . ونازع جعفر ، محتجاً بمزاعمه القديمة وقال : هي داري لا تدفن فيها.

وهنا ، تكتسب القضية شأناً أكبر من الميراث ..إنه ضرورة احترام هذه الجدة المقدسة ،وتنفيذ وصيتها ، طبقاً لتعاليم القرآن الكريم . والدار وإن كانت لجعفر ، بحسب قانون السلطات الحاكمة ، ولكنها في االواقع ، ملك للوريث الشرعي الحقيقي ، وهو الولد ، وليس للأخ أي حصة من المال مع وجود الولد . في قانون الإسلام .

ومن لا يملك ليس له حق في أن يأذن وأن يتصرف.


صفحة (314)
 

ومن هنا بادر الإمام المهدي عليه السلام ، على مجابهة عمه بالقول بنحو الإستفهام الإستنكاري- : يا جعفر ، دارك هي؟ . ثم لم يستطع جعفر ان يراه بعد ذلك (1)

وسنبقى جاهلين – باعتبار غموض النقل التاريخي – بما إذا كان لهذا القول أثره في نفس جعفر وضميره ، فسمح بدفن الجدة في الدار ... أو لم يسمح ..وكان سبيل هذا القول هو سبيل القول الأول ، وهو التسامح و العصيان له.

وعلى أي حال ، يكون المهدي (ع) قد أدى ما يشعر به من المسؤولية تجاه أعمال جعفر ، من ضرورة إفحامه في دعاواه الباطلة والتوصل ـ جهد الإمكان – إلى التخفيف من نتائجها السيئة.

كشفه ما أوجب الله عليه ستره :

وهو الإفصاح عن وجود المهدي عليه السلام بنحو أو آخر .أمام السلطة ، مما أوجب شدتها في المراقبة والمطاردة.

ونحن في هذا الصدد ، لا بد أن نعود بالكلام عن تاريخ الإمام عليه السلام ، من حيث تركناه ، لنعرف بالتفاصيل – الترابط بين الحوادث التاريخية التي انتجت أن يقوم  جعفر بمثل هذا العمل .

تركنا جثمان الإمام العسكري مسجى في الدار وقد انتهى ولده المهدي (ع) من الصلاة عليه ..بعد أن سحب عمه عنها فتأخر وقد علا وجهه الإصفرار .ولكننا نجده مع ذلك ، لا يترك موقفه ، بل يبقى مستمراً في مخططه ممثلاً دور الإمام بعد أخيه.

ـــــــــــــــــــ

(1) انظر كلا الحادثتين في إكمال الدين ( المخطوط) .


صفحة (315)
 

وإذ ينتهي الإمام المهدي عليه السلام من  الصلاة ،ويذهب ، وقد اتضح لجميع الحاضرين وجه الحق ..يتوجه أحدهم إلى جعفر بالسؤال عن هذا الصبي الذي اقام  الصلاة ، لكي يقيم الحجة علي جعفر ويفهم ما إذا بقي مستمراًُ على مخططه بعد اتضاح الحق أولاً ، فيقول له : يا سيدي من  الصبي؟ فيجيب جعفر : والله ما رأيته قط ولا أعرفه .

ولعله صادق في انه لم يره ، فإنه – بفسقه – لم يكن أهلاً لأن يريه الإمام العسكري (ع) إياه.ولكنه كاذب في نفي معرفته ، بعد أن سمع هذا الصبي  يقول : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على ابي .وهلا لو كان قد بقي جاهلاً بمعرفته ، أن يصمد على موقفه ويكذب الصبي في دعواه ..او يعيد الصلاة مرة ثانية ، مع ان شيئاً من هذا لم يحدث .

مما يدل على اتضاح الحق لكل الحاضرين ، وتسالمهم على أنه هو الإمام المهدي (ع) .

وبعد فترة من الوقت. يرد وفد من الوفود التي كانت تتواتر على الإمام العسكري (ع) من أطراف العالم الإسلامي ، فتصل إليه وتسلمه ما تحمله من الأموال من مختلف ما دفعوا الحقوق الإسلامية في تلك البلاد. وتسأله ما تشاء من السمائل الشخصية والإجتماعية ، فتنهل منه مختلف التعاليم والتوجيهات.

ويكون هذا الوفد من قم ، يدخل سامراء وهو لا يعلم بوفاة الإمام العسكري (ع)... فيسأل عنه الناس فيقول لهم الناس: أنه قد فقد .


صفحة (316)