|
||
|
وإنما يصرح المعتمد بهذا التصريح الخطير ، بالنسبة إليه وإلى كيانه ..باعتباره يواجه جعفراً وهو ابن الإمام وأخو الإمام .وهو من أعرف الناس بهما ، بالرغم من انحرافه عنهما .فليس هذا التصريح بالنسبة إليه سراً يكشف أمراً خفياً يذاع ،وليس جعفر من القواد الأتراك أو من متعصبي بني العباس ليخشى المعتمد من سطوته عليه. كما أنه ليس من الجماهير الموالية للإمام – بشكل عام - ، ليخاف تحولهم إلى الولاء نتيجة لهذا التصريح ،وإنما جاء هذا التصريح عفو الخاطر ، باعتباره العذر الوحيد في رفض طلب جعفر وبيان العجز عن تنفيذه.
ادعاؤه أنه الوريث الشرعي لتركة الإمام العسكري (ع) : وقد انطلق جعفر بن علي في ادعائه هذا من فكرتين ادعائيتين أيضاً : إحداهما : عدم وجود ولد للإمام العسكري (ع) ، ليكون هو الوريث الشرعي .ومن هنا كان هو الوريث ، باعتباره أخاً للموروث . ثانيتهما : كونه الإمام بعد أخيه ،إذن فهو – على اقل تقدير – المشرف الأساسي والولي الأعلى على هذه الأموال الموروثة.
وكلا هذين الأمرين ، قد علمنا زيفهما بكل وضوح ، بعد وجود الحجة المهدي (ع) ولداً للإمام العسكري (ع) وكونه هو الإمام بعده ، دون عمه. ولكن جعفرا انطلق من هذه المدعيات إلى الحجز على ميراث الإمام (ع) كله، والإستيلاء عليه ومنع سائر الورثة منه ، وساعدته السلطات على ذلك ، فإنها بعد أن بحثت وبذلت جهدها في الفحص والمطاردة ، ولم تقع للمهدي على أثر، لم تجد وريثاً غير جعفر، ولم تجد في دعوى جعفر للوراثة الشرعية كذباً واضحاً – في مرتبة الإثبات القانوني على الأقل- فسمحت له بالإستيلاء على مجموع التركة. ولئن كانت عاجزة عن تنفيذ مطلبه الأول ، حتى لقد انصرفت عنه وهي آسفة ، فمطلبه هذا على أي حال ممكن التنفيذ ، وتمكينه من التصرف في الأموال أمر ميسور. وهذا هو الذي يشير إليه عثمان بن سعيد في بعض مجالسه مع أصحابه – على ما سمعنا- قائلاً: فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد عليه السلام مضى ولم يخلف ولداً وقسم ميراثه .وأخذه من لا حق له .وصبر على ذلك. وهو ذا عياله يجولون وليس أحد يجسر أن يتعرف عليهم أو ينيلهم شيئاً(1).
انظر
إلى الأثر الإجتماعي التخريبي الذي انتجه مخطط جعفر ، فإنه وإن فشل في الإمامة
، إلا أنه لم يفشل في الإستيلاء على الميراث. ولم يكتف بحصته من الإرث ، بحسب ما هو المشروع في الإسلام ، لو كان وارثاً ..بل استولى على المجموع. فنتج عن ذلك بطبيعة الحال ، أن أفراد العائلة الآخرين لم يبق لهم مأوى ولا ملبس ولا مطعم .فبقوا يجولون في الطرقات ..لا يستطيع أحد ان يلتفت إليهم او يدعي معرفته بهم أن يمدهم بشيء من الخير ، لأنه بذلك يعرض نفسه للتنكيل من قبل الدولة. يبقى اعتراض واحد قد يخطر على الذهن، وهو أن المهدي (ع) نفسه كان يتمكن من أن يظهر ويسيطر على العالم ، ويمد عائلته بما تحتاج إليه من أسباب المعاش ، فلماذا لم يفعل؟ وجواب ذلك واضح كل الوضوح ، وهو :إنه لو كان يظهر في ذلك الحين ، لكان يقتل لا محالة ، بعدما عرفنا وسنعرف الجهود المضنية التي تبذلها الدولة في البحث عنه ، ولفشل مخططه في هداية العالم والسيطرة عليه ، إذ لا يطيعه يومئذ ولا يسير في إمرته إلا أقل القليل من أصحابه ممن لا يغني لفتح شبر من الأرض ، فضلاً عن البسيطة كلها .وأما المجتمع فلن يستمع إلى ندائه ، وسيكون عوناً للدولة عليه . وإنما أعد الله تعالى ظهوره عند وجود عدد مهم من ذوي النفوس القوية والقلوب المؤمنة والعقول الواعية . بحيث يستطيع أن يفتح بهم العالم ، كما سيأتي برهانه في الكتاب الثاني من هذه الموسوعة .وحيث لا يكون الوقت ملائماً للظهور ، وكانت هداية العالم لا تتحقق إلا بالتأخير إذن فمن المنطقي جداً بل الضروري حقيقة ، التضحية بمصالح عائلته الخاصة في سبيل ذلك الهدف الإلهي الأعلى.
وربما يعترض هنا فيقال : إنه وإن لم يمكنه الظهور، إلا أنه يمكنه مساعدة أهله حال غيبته .فإنه يمكن إرسال الأموال إليهم بالطريق الذي كانت تخرج به التوقيعات والمراسلات عنه عليه السلام . وجوابه أيضاً واضح ، بعد العلم ان التوقيعات والمراسلات ،إنما كانت تصدر عن المهدي (ع) في النطاق السري الخاص الذي لا يتجاوز مواليه ، إلى أي شخص يشك بارتباطه بالسلطة أو ضعفه تجاهها ، إذ من الواضح ان السلطة لو كانت تطلع على هذه المراسلات ، لكانت المستمسك الرئيسي الذي تأخذه ضده عليه السلام. إذا عرفنا ذلك نعلم أن دفع المهدي (ع) للأموال إلى عائلته بشكل يغنيهم وييسر حالهم ، يكون ملفتاً للنظر ومثيراً للتساؤل في ذهن السلطة ، وخاصة وان هذه العائلة لا زالت تحت المراقبة والتركيز .. فيكون له من المضاعفات ما لا يخفى ،وأما مواصلتهم سراً بالمال اليسير عن طريق سفرائه .. فهو أمر محتمل، لا يمكن نفيه.
وقبل
أن ننطلق إلى النشاط الثالث لجعفر بن علي ، يحسن بنا أن نتميز بوضوح موقف
الإمام المهدي عليه السلام من عمه تجاه ذلك، بحسب ما هو المروي في تاريخنا الخاص.
|
|