وهذه الرواية وإن كان المفهوم السطحي منها يدل على اختصاص الرؤية بهذا البواب ، لكننا لو دققنا النظر نجد ان الرجال الذين كانوا عند الإمام والجارية التي جاءت بالمهدي (ع) كلهم قد شاهدوه بطبيعة الحال . وإن كان الراوي ناقلاً للقصة من زاويته الخاصة .

وممن عرضه الإمام العسكري عليه رجل من أصحابه يقول: رأيت صاحب الزمان عليه السلام ووجهه يضيء كالقمر ليلة البدر ، ورأيت على سرته شعر يجري كالخط ، وكشفت الثوب عنه . فوجدته مختوناً .فسألت أبا محمد (ع) عن ذلك فقال : هكذا ولد وهكذا ولدنا ، ولكننا سنمر الموس عليه لإصابة السنة(1) ، يشير بذلك إلى أن القانون العام في الأئمة عليهم السلام أن يولدوا مختونين ..ولكن السنة الإسلامية في الختان لا ينبغي أن تتخلف عن أحد . فلا بد من إمرار الموس عليه تحفظاً على شكل الختان ، وعلى التعليم الإسلامي العام.

ومن هنا تعرف أن هذه الرؤية كانت قبل امرار الموسى ، وهو ما يستحب عمله في الإسلام في اليوم الثالث أو السابع من حياة الطفل .

ـــــــــــــــــــ

(1) انظر الإكمال المخطوط.


صفحة (286)

 

وممن عرضه الإمام العسكري (ع) من أصحابه :أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري ،وهو من خاصة الإمام وتقاته ، وأعطاه الفكرة الواعية الصحيحة عن غيبة الإمام المهدي ، وافهمه عدة براهين عن إمكان الغيبة وصحتها ، ومجال البحث والتدقيق في هذه البراهين ليس هو هذا الكتاب ، بعد أن مقتصراً على الجهة التاريخية للإمام المهدي عليه السلام ، ولعلنا نستقصي الكلام فيها في بحث مقبل.

وعلى أي حال فإن احمد بن اسحق يقصد زيارة الامام عليه السلام يريد ان يساله الخلف من بعده ... ومن يتولى الامامة بعد وفاته ويضطلع بشؤون الأمة عند ذهابه إلى ربه، فيدخل على الإمام، فيقول له الإمام مبتدئاً: يا احمد بن اسحق ان الله تبارك وتعالى لم يخل الارض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها إلى ان تقوم الساعة ، من حجة على خلقه ، به يدفع البلاء عن اهل الارض وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الارض.

قال: فقلت: يا ابن رسول الله .فمن الامام والخليفة بعدك؟

فينهض الامام عليه السلام مسرعاً ويدخل احدى الغرف ، ثم  يخرج وعلى عاتقه غلام كان وجهه القمر ليلة البدر .من ابناء ثلاث سنين .

ثم يقول: يا أحمد بن اسحاق لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا .إنه سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه(1) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

يا أحمد بن اسحق ، مثله في هذه الأمة مثل الخضر عليه السلام ،ومثله مثل ذي القرنين .والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته ووفقه الله للدعاء بتعجيل فرجه.

ـــــــــــــــــــ

(1) أي أنه متحد معه (ص) في الأسم والكنية .
 

صفحة (287)

 

قال احمد بن اسحق : فقلت : يا مولاي فهل من علامة يطمئن بها قلبي .فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح ، أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه ، ولا تطلب أثراً بعد عين ، يا أحمد بن اسحق.

قال أحمد بن اسحق: فخرجت مسروراً ، فلما كان الغد عدت إليه ، فقلت له: يا ابن رسول الله ، لقد عظم سروري بما مننت علي فما السنة الجارية من الخضر وذي القرنين ، قال: طول الغيبة يا احمد . قلت : يا رسول الله : إن غيبته لتطول. قال: أي وربي حتى يرجع عن الأمر وأكثر القائلين به ، فلا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه . يا احمد بن اسحق هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله ، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين ، تكن معنا في عليين.


وفاة الإمام العسكري (ع):

وإذ يؤدي هذا الإمام الممتحن الصابر مسؤوليته التامة تجاه دينه ومجتمعه وولده ، يريد الله تعالى أن يلحقه بالرفيق الأعلى ..وذلك عام 260 للهجرة ... حيث اعتل عليه السلام في اول يوم من شهر ربيع الأول من ذلك العام (1) ولا زالت العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتى توفي في الثامن من الشهر.

ـــــــــــــــــــ

(1) انظر الإرشاد ص325والمناقب ص524 ج3.

صفحة (288)