ونجد أنه عليه السلام عرض على ولده وعلى اصحابه في اليوم الثالث من ولادته ،واعطاهم المفهوم الصحيح الأساسي الذي أوكله الله تعالى إليه ،وعين لهم تكليفهم تجاهه بصفته الإمام بعد أبيه .وقال لهم : هذا صاحبكم بعدي وخليفتي عليكم ..وهو القائم  الذي تمد إليه الأعناق بالإنتظار .فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً ، خرج فملأها قسطاً وعدلاً.

فهذا وذاك هو الإعلان الرسمي الكبير الذي قام به الإمام العسكري عليه السلام ،على طرفي المدة ، بعد  الميلاد وقبل الوفاة ...لكي يكون هو الأساس الضخم لإقامة الحجة تجاه القواعد  الشعبية الموالية ، وكان خلال هذه المدة يعرضه على أشخاص بمفردهم حين يزورونه. فمنهم: عمرو الأهوازي حيث أراه أبو محمد (ع) ولده المهدي (ع) وقال: هذا صاحبكم(1).

ومنهم شخص آخر يزور الإمام عليه السلام ويريد أن يتأكد من وجود الإمام بعده قائلاً :  يا سيدي من صاحب هذا الأمر ، يعني الإمامة. فيأمره الإمام العسكري (ع) برفع ستر كان مسبلاً على باب غرفة إلى جنبه ،فيرفعه الرجل فيخرج إليهم غلام يقدره الراوي بعشر أو ثمان سنين، واضح الجبين أبيض دريّ المقلتين شثن الكفين معطوف الركبتين ، في خده اليمن خال ،وفي رأسه ذؤابة . فيجلس على فخذ أبي محمد عليه السلام ، فيقول الإمام للرجل هذا هو صاحبكم ، ثم وثب الغلام فقال له أبوه كيا بني ادخل إلى الوقت المعلوم(2) يعني وقت ظهوره عجل الله فرجه.

ـــــــــــــــــــ

(1) انظر الإكمال المخطوط

(2) انظر الإرشاد ص329وص330 مكرراً.


صفحة (283)

 

ولا يخفى في تقدير الراوي لعمر المهدي عليه السلام ، لا ينافي من عرفناه من أن عمره حين وفاة أبيه خمس سنين ، فإن هذا بحسب عدد السنين هو الصحيح ،وأما بحسب النظر إلى نمو المهدي عليه السلام ونشاطه البدني ، فلا يمكن أن نستبعد أن يبدو في ظرف خمس سنين أو أقل كابن ثمان سنين أو أكثر . وذلك انطلاقاً من أحد أساسين :

الأساس الأول: الميزان الطبي الطبيعي: فإنه من المشاهد وجداناً أن كثيراً من الناس لا يمكنهم تقدير اعمارهم بشكل دقيق ، إذ يبدو للناظر أنهم أكبر من عمرهم الحقيقي بعدة سنوات أو أصغر بعدة سنوات .

فإذا أضفنا إلى ذلك نشاطاً متزايداً وصحة موفورة لم نستبعد أن يبدو الصبي على ضعف عمره الحقيقي ...حتى   على الموازين الطبية الطبيعية .

الأساس الثاني : ما ورد في بعض رواياتنا  من أن نمو الإمام المعصوم يكون عادة أسرع من غيره . فمن ذلك ما ورد عن الإمام العسكري (ع) نفسه يقول: عن اولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم . وأن الصبي منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة .

ـــــــــــــــــــ

(1) انظر إكمال الدين المخطوط

(2) انظر إكمال الدين المخطوط.


صفحة (284)

 

ولعل بالإمكان ان نفسر هذا الأساس الثاني بالأساس الأول أيضاً ، والله العالم .

وممن عرضه عليه الإمام العسكري عليه السلام ، رجل من أهل فارس قصد الإمام عليه السلام لتشرفه بخدمته .فأذن له الإمام بذلك ، فكان مع الخدم يشتري لهم الحوائج من السوق .وبقي على هذه الحال حتى أصبح خاصاً وارتفعت الكلفة بينه وبين الإمام ..فكان يدخل الدار من دون استئذان إذا لم يكن فيها إلا الرجال.

وبينما هو داخل عليه في يوم من الأيام ، والرجال عنده ، إذا سمع حركة  في البيت – يعني الغرفة - .وناداه الإمام: مكانك لا تبرح . يقول : فلم أجسر أخرج ولا أدخل .فخرجت عليّ جارية معها شيء مغطى .ثم أن الإمام ناداه وأمره بالدخول فدخل الغرفة .فنادى الجارية فرجعت ، فأمرها الإمام ان تكشف ما معها ، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه،  قدره الراوي بسنتين .وقال الإمام : هذا صاحبكم .ثم أمر الجارية فحملته فلم يره بعد ذلك حتى توفي الإمام العسكري أبو محمد صلوات الله عليه(1).

فنرى هذا البواب بالرغم من ملازمته للدار ودخوله من دون استئذام أحياناً ..لم يفهم بولادة الإمام المهدي عليه السلام ولم يحس بتجدد أي امر جديد في الدار .واكتفى الإمام العسكري (ع) بعرضه عليه مرة واحدة كما هو  الشأن مع جملة أصحابه وخاصته .بل حتى لو فرضنا أن هذا البواب قد ورد إلى خدمة الإمام (ع) بعد ميلاد ولده عليه السلام ، فإنه أيضاً لم يفهم به إلا في اليوم الذي شاء له الإمام ذلك .

ـــــــــــــــــــ

(1) أنظر الإكمال المخطوط .وأوصول الكافي ( مخطوط)

صفحة (285)