ومعه نعرف ان هذا الحكم غير ساري المفعول إلى ايامنا هذه ، إذ من المعلوم عدم وجود إي خطر عليه من التصريح بإسمه هذا اليوم .. ان لم يكن – بالعكس – متضمناً للدعوة اليه ونشر فكرته العادلة واهدافه الكبرى واما الامام الحسن العسكري عليه السلام ، فكان الموقف في ايامه مختلفاً عن الموقف في عصر الغيبة الصغرى الذي يبدأ بوفاته، ويفتتحه عثمان بن سعيد بسفارته عن المهدي (ع) فإن السلطات في ذلك العصر المتأخر كانت قد ايست من القاء القبض على المهدي عليه السلام ، حتى قررت الغاء وجوده القانوني كوريث شرعي لأبيه فكان في التصريح بإسمه اعادة للشك إلى ذهن السلطة . وأما في زمان ابيه عليهما السلام . فلم تكن السلطة قد التفتت إلى ولادته أو أحست بشيء يدل عليه . ومن المعلوم اختلاف الحالة النفسية عند السلطة بين كونها غافلة أساساً عن الشيء وبين كونها ملتفتة عاجزة آيسة . فإنها في هذه الحالة الثانية تكون أقرب ذهناً وأكثر توجهاً إلى تصيد الخبر الشارد واللفظ الوارد عن الامام المهدي عليه السلام .

إلا اننا سنلاحظ من الامام العسكري عليه السلام ، انه وان لم ينه عن التسمية .. إلا انه ياخذ الحيطة من هذه الجهة .. فلا يصرح بإسمه لأحد من خاصته ممن يريهم ولده المهدي ، بل يكتفي بقوله لهم : هذا صاحبكم يعني أنه الإمام بعده عليه السلام ،ويقتصر في التصريح باسمه على اقل القليل.
 

صفحة (280)

 

وفي الحقيقة أن التكليف الشرعي الإسلامي، المتعلق بالإمام العسكري عليه السلام بالتبليغ ولإقامة الحجة على وجود ولده والتكليف المتعلق بأصحابه بالإيمان بإمامهم الثاني عشر  ....يكفي فيه هذا المقدار من الإطلاع وإن كان الإسم مجهولاً .إذ يكفيهم بينهم وبين الله أن يؤمنوا بوجود إمام يرجعون إليه في الأحكام والمشاكل. ولا يتوقف ذلك على معرفة شخصه وإمكان الإتصال به عن طريق سفرائه.
وإذ يريد الإمام العسكري عليه السلام ان يثبت وجود ولده المهدي (ع) ، يختار من مواليه وأصحابه من كان له صلابة في الإيمان وعمق في الإخلاص ،وبخاصة اؤلئك الذين يربطون بينه وبين قواعده الشعبية وينقلون منه وإليه المراسلات والتوقيعات. فإنهم خير من يستطيع أن يبلغ خبر ولادة الحجة المهدي إلى الجماهير الموالية للإمام (ع) فإن هذه الجماهير تعرف سلفاً وثاقة هؤلاء الأشخاص وإيمانهم وإخلاصهم واعتماد الإمام عليهم في الربط بينه وبينهم.

ومن ثم لن يفرق شيئاً على الفرد من القواعد الشعبية الموالية بين أن يرى الإمام المهدي بنفسه أو يسمع عنه من أبيه ... وبين أن يبلغه وجوده محفوفاً بقرائن الإثبات من قبل هؤلاء الأصحاب الموثوقين ... يستلم الفرد منهم الخبر كما يستلم الفتوى من الإمام عليه السلام .

 

صفحة (281)

 

على اننا ستعرف أن الكثيرين من الأصحاب ، قد تيسرت لهم رؤيته. كان جملة من حاول  الوصول إلى المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى ، تيسر له ذلك .إذن فيكفي الفرد الموالي أن يكثر السؤال من كثيرين ممن يعرف فيه التقدم والرسوخ في علاقته مع الإمام العسكري عليه السلام ، وممن شاهد ولده  المهدي (ع) من غيرهم ... ليحصل عنده التواتر الموجب للعلم بوجود إمامه الثاني عشر . ولئن كان التواتر قد وصلنا من الطرق الخاصة والعامة إلى هذا العصر .. فكيف في ذلك الزمن الذي كانت كل القرائن تدل عليه وكل الأيدي تشير إليه ، وكان هم ابيه ووكلائه وأصحابه ... هو التأكيد على وجوده والتبليغ عنه إلى كل صالح للتبليغ.

ولعل أوسع إعلان يقوم به الإمام العسكري بين أصحابه عن ولادة ابنه وإمامته من بعده ، ووجوب طاعته عليهم ، وانه عليه السلام قبل وفاته بأيام ، وقد كان مجلسه غاصاً بأربعين من أصحابه ومخلصيه ، منهم محمد بن عثمان العمري ومعاوية بن حكيم ومحمد بن ايوب بن نوح ..... يعرض عليهم ابنه عليه السلام ويقول: هذا امامكم من بعدي وخليفتي عليكم .اطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في اديانكم . ويضيف منبهاً لهم إلى ان هذه هي فرصتهم الوحيدة في المهدي (ع) قائلاً: اما انكم لا ترونه بعد يومكم هذا(1).

ـــــــــــــــــــ

(1) انظرإكمال الدين – نسخة مخطوطة.


صفحة (282)