وإذ تنتهي الجارية في قصتها إلى هذا الحد .. يستطيع بشر النخاس ان يفسر كل تصرفاتها ، ما عدا معرفتها للغة العربية. فيسألها عن ذلك فتخبره بانه بلغ من ولوع جدها وحمله اياها على تعلم الآدب ان عين لها امرأة ترجمان تزورها صباحاً ومساء وتفيدها اللغة العربية ، حتى استمر عليها لسانها واستقام.

ويذهب بها بشر النخاس إلى سامراء ويدخلها على الامام الهادي عليه السلام . فيقول لها : كيف أراك الله عز الاسلام وذل النصرانية وسرف أهل بيت محمد (ص). قالت : كيف اصف يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني.

ثم يتصدى الامام عليه السلام لإمتحانها وسبر اعوار ايمانها ومعرفة درة اخلاصها . فنظر كيف يخيرها بين العاجل والآجل .. بين الدنيا والدين .. إذ يقول لها : فإني اريد أن اكرمك : فأيما احب اليك عشرة آلاف درهم أم بُشرى لك بها شرف الابد . قالت : بل الشرف . واذ وجدها الامام واعية لموقفها مضحية في سبيله بكل عال ورخيص . قال لها : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . قالت: ممن؟. قال عليه السلام متسائلاً : ممن خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ - وعين لها الوقت – قالت: من المسيح ووصيه. قال : فممن زوجك المسيح ووصيه؟ قالت . من ابنك ابي محمد . قال فهل تعرفينه. قالت : فهل خلوت ليلة من زيارته اياي منذ الليلة التي اسلمت فيها على يد سيدة نساء العالمين ، أمه.

 

صفحة (249)

 

وعندئذ يستدعي الامام الهادي عليه السلام ، اخته حكيمة ويأمرها بأن تأخذ ترجس إلى منزلها وتعلمها أحكام الاسلام . ويقول : فإني قد زوجت ابي محمد الحسن عليه السلام وأم القائم عليه السلام (1) .

وأود ان اعلق على هذا الخبر بعدة تعليقات:

التعليق الأول: اننا نستطيع أن نعين تاريخ شراء الجارية وزواج الامام العسكري (ع) بها . فإنه كان في زمان الامام الهادي عليه السلام ، وقد أراد ان يزوج ابنه الحسن عليه السلام قبل ان يتوفى عام 254هـ . ليولد من هذه المرأة الجليلة مهدي هذه الأمة القائم بدولة الحق. وسيأتي ان ولادة المهدي (ع) كانت بعد وفاة جده الهادي (ع). فإذا استطعنا ان تعرف انه لم يمر زمان طويل بين زواجها كان في نفس هذا العام 254 هـ .

التعليق الثاني:انه قد يورد على هذا الحديث بعض الاعتراضات التي يمكن الجواب عنها على أصولنا الأعتقادية، ويبقى الجواب عنها عند من لا يؤمن بهذه الأصول معلقاً على التسليم بها على اننا سنقول اننا غير ملزمين بإعتبار هذا الخبر إثباتاًًًًًًً تاريخياً كافياً.

ــــــــــــــــــــــ

(1)  انظر اكمال الدين للشيخ الصدوق ( نسخة مخطوطة ) . وانظر الغيبة للشيخ الطوسي ص 124 وما بعدها المناقب ج 3 ص 538 وما بعدها


صفحة (250)


الإعتراض الأول : أنه متضمن لعلم الامام الهادي عليه السلام بأمور غائبة غير منظورة . في حين ان الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.

والجواب على ذلك : انه بعد فرض ثبوت امامته ، يكون ذلك ممكناً في حقه. ونحن لا ندعي علمه بالغيب مباشرة كعلم الله عز وجل . وإنما ندعي ان الامام إذا أراد ان يعله شيئاً اعلمه الله تعالى اياه ، كما نطقت بذلك بعض الأخبار.

والمصلحة الرئيسية من الناحية الاجتماعية ، في ذلك هي ان الامام قائداً لأمة ورئيس لدولة وموكول اليه تطبيق العدل الاسلامي الالهي على البشرية. فأحسن طريق لنجاح عمله وقيادته، من الناحيتين النظرية والعملية معاً ، وهو منصوب لتطبيق أعلى أهداف الاسلام وممثل لأحد أيام الله الكبرى التي اخذها الله تعالى بنظر الاعتبار في كونه.

الاعتراض الثاني: ان الايمان بمضمون هذا الحديث ، متوقف على الايمان بالاحلام . وهو خرافة من الخرافات.

والجواب عن ذلك : يكون بأحد أمور ثلاثة :

أولاً: ان ما هو الخرافة ، هو الايمان المطلق بصدق جميع الاحلام ، وهذا لم يقل به مفكر ، ولا هو الذي تدعيه ولا يتوقف عليه صحة هذا الحديث . وانما الشيء الذي لا شك فيه هو صحة بعض الاحلام وتحققها في الواقع . وهذا أمر ضروري لمن راجع حوادث الحياة ونظر في الكتب المؤلفة في ذلك كدار السلام للحاج ميرزا حسين النوري والاحلام للدكتور علي الوردي . وغيرها .

 

صفحة (251)