|
||
|
اذن فمن الممكن ان يكون هذا المذكور في الحديث أحد الاحلام المطابقة للواقع ، وخاصة بعد ان اتصف بحوادث ومميزات لا تعدو علم الحياة والعين. فلو صلحت هذه الرواية للأثبات التاريخي لم تكن هذه الجهة موجبة لضعفها أو الطعن فيها . ثانياً: ان هناك فكرة تقول: بان رؤية النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) في المنام لا يمكن أن تكون كاذبة . لأن المنام الكاذب من الشيطان والشيطان لا يمكن أن يتصور بصورة النبي أو الامام ويستشهد لذلك يما نسب إلى النبي (ص) من قوله: من رآنا فقد رآنا ويقول الامام العسكري عليه السلام لأحد أصحابه في المنام أيضاً : وأعلم ان كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة (1) . فإذا تمت هذه القاعدة - والله العلم بحقيقتها- لم يكن بالامكان ان يقال : بان ذلك الحلم الذي وجد فيه رسول الله (ص) والأئمة عليهم السلام بما فيهم الامام العسكري (ع)، أو هو مستقلاً حين كان يأتيها كل ليلة ... حلم كاذب. ثالثاً : اننا غير مضطرين لأن نلتزم من هذا الحديث بحرفية الرؤيا . بل يمكننا ان نحمله على نحو من الرمزية ونقول: ان أم مهدي عليه السلام ، كانت وهي في بلادها الأولى كانت ملهمة بشكل غامض بعض خطوط مستقبلها والحنين اليه ، بمقدار بحيث انها حين واجهت هذا المستقبل احبته واخلصت له . ـــــــــــــــــــــ (1) المناقب ج 3 ص 534 .
وهذه مصلحة الهية عظيمة ، باعتبار ما يعلمه الله تعالى من كونها أماً للمهدي عليه السلام ، وما سوف ترى في سبيل ذلك من الضغط والطاردة والعذاب. اذن فهي تحتاج إلى الهام خاص – ولو بشكل لا شعوري غامض – يوجب تربيتها وتوجيه عواطفها بالشكل المخلص المؤمن . فإنها ، لو كانت مجردة عن هذا الالهام وكانت مشتراة من السوق من دون اخلاص سابق وتربية داخلية، لأمكن لها ان تجزع من التعذيب فتبوح بأمر ولدها، ويؤدي الحال إلى القاء القبض عليه وقتله. وهو ما لا يريده الله تعالى أن يكون .. كيف؟. وقد ذخره الله عز وجل بقدرته الكبرى لمستقبل الاسلام وارساء قواعد الحق . أما انكار وجود الالهام كحقيقة كونية الهية ، تتحقق بارادة الله تعالى عند وجود المصلحة .. فهذا تكذيب للقرآن إذ ينسب الالهام إلى النحل قائلاً :"واوحى ربك إلى النحل ان اتخذي من الحبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون . ثم كلي من كل الثمرات ، فاسلكي سبل ربك ذللا"(1) . وينسب عز وجل هذا الالهام بعض مراتبه إلى الانسان إذ يقول عز من قائل : "فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كانما يصعد في السماء" (2) .
اذن فلتكن الظاهرة التي احسب بها وعاشتها ام المهدي ، شكلاً من اشكال الالهام
. (1) السورة 16 / 68 - 69 . (2) السورة 6 / 125 .
الاعتراض الثالث: ان هذا الحديث دال على ان اسلامها وزواجها كان في عالم الرؤيا . وهو مما لا يمكن ان يعترف بشرعيته وقانونيته. والجواب عليه: ان هذا الحديث وان كان دالاً على ذلك ، إلا اننا لا تدعي الاكتفاء به بطبيعة الحال. وانما اصبحت مسلمة في عالم اليقظة والعيان ... أما حال وجودها في بلادها الاولى بعد ان اعتقدت بصحة الطيف ومطابقته للواقع، فاستيقظت معتقدة للاسلام . أو أنها اسلمت حين قالت للامام الهادي عليه السلام : يا ابن رسول الله .. فإن هذا الوصف متضمن للأعتراف بالاسلام بكل وضوح، أو انها اصبحت مسلمة حين علمتها حكيمة تعاليم الاسلام امتثالاً لأمر اخيها عليه السلام ، وعلى أي حال فقد تم اسلامها قبل زواجها من الامام العسكري عليه السلام . واما ما قد يخطر على البال من انها إذا كانت قد بقيت غير مسلمة في عالم اليقظة والعيان حتى حين وصولها إلى سامراء ، فكيف زارها الامام أبو محمد (ع) في المنام .. فجوابه : ان هذا كلام من يؤمن بالاحلام .. وأما من لا يؤمن بها لا يعتبر الزيارة في عالم الرؤيا شيئاً يؤخذ بنظر الاعتبار. ومعه فنقول للمؤمن بالاحلام المتكلم بهذا الكلام: ان زيارة الامام في المنام يكفي فيها الاسلام في المنام! وأما لقاء العيان واليقظة فيحتاد إلى اسلام حقيقي في عالم اليقظة. وأما زواجها ، فلم يكن ما وقع منه في المنام كافياً أيضاً وانما تم بإنشاء الامام الهادي (ع) لعقد الزواج حين قال : - كما نطق الحديث - : فإني قد زوجت ابا محمد الحسن عليه السلام وأم القائم. بعد ان احرز رضاها ورضاه . وهو وليهما وولي المؤمنين .
صفحة (254)
|
|