|
||
|
ومن هنا نرى الامام العسكري عليه السلام أيضاً يؤكد على ذلك ، فإن ابن بابويه حلقة من سلسلة العلماء الصالحين ، فهو يريد ان يشجعه أكبر تشجيع ويجعل له بين قواعده الشعبية عنواناً كبيراً وأمراً نافذاً فيقول له تارة : يا شيخي يا أبا الحسن . ويقول له تارة اخرى : وأمر شيعتي بالصبر . فكأن مراسلته مراسلة للجميع وتبليغه بالتعليم تبليغ للكل ، لأنه هو المشرف على مصالح هذه الجماهير الموالية للائمة عليهم ، في عصرة الخاص الذي سيكون من عصور الغيبة في أول وجودها . المفهوم الرابع : ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده .. والعاقبة للمتقين . فليست الأرض لأي حاكم من البشر، وانما هي بإرادة الله وإدارته .. انها لله وإذا كانت لله فهو الذي يعطيها لمن يشاء من عباده .. وقد شاء الله تعالى أن يكون ميراث الأرض والحكم النهائي فيها للمتقين ليكونوا خير خلف لشر سلف ، فتملئ الأرض بهم عدلاً بعد ان ملئت جوراً . وإذا كانت هذه هي ارادة الله ، فالمؤمن لا بد له ان يخضع لها ويقوم بمتطباتها . اذن فليست عصور الظلم والانحراف ، التي تعيشها في عصور الغيبة – بالرغم من وضوحها في الاذهان ورسوخها في النفوس – ليست إلا نتيجة للامهال الالهي الذي قدره لعمر أي حضارة من الحضارات قال الله تعالى :" وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بنعم الله .. فأذاقها الله لياس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" (1) . ــــــــــــــــــــ (1) السورة 16 – 112 .
صفحة (220)
وقال عز وجل: "ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيراً لأنفسهم .. انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين" (1) . فليس هذا الكفر والانحراف قدراً اضطرارياً أو وضعاً جبرياً ، يجب الاعبراف به والخضوع لتياره .. بل هو مهلة لهم وفسحة في حياة حضارتهم ، حتى يستكملوا انحرافهم ويتمرسوا في ظلمهم وتتم الحجة الدامعة عليهم .. فإذا اراد الله بعلى تنفيذ وعده العظيم ، اخذهم بذنوبهم والبسهم نفس اللباس الذي كانوا بضطهدون به المؤمنين: لباس الجوع والخوف ، وأورث الأرض لعباده الصالحين يتبؤون فيها حيث يشاؤون ، تحت راية المهدي عليه السلام ، ولنعم عقبى المتقين. اقول: ومثل هذا الشكل من البيان بجميع مفاهيمه ، مما يختص به الامام العسكري عليه السلام ، ولم يكن ليصدر عن أحد من آبائه عليهم السلام لمدى البعد الزمني بين عصورهم وعصر الغيبة ، وانما يصدره الامام العسكري بصفته الامام الاخير فيما قبل عصر الغيبة، والخطط المباشر لها والسؤول الأكبر عن تطبيق مستلزماتها . مما يستدعي التفصيل والتأكيد أكثر من ذي قبل بطبيعة الحال . النقطة الثانية : من موقفه عليه السلام تجاه الغيبة: احتجابه عن الناس، إلا عن خاصة اصحابه ، وايكال تبليغ الأحكام والتعليمات إلى اسلوب المكاتبات والتوقيعات بينه وبين أصحابه ، وإزجاء حاجاتهم بواسطة عدد من خاصته . ـــــــــــــــــــــ (1) السورة 2 – 178 .
لأنه عليه السلام كان يعلم ان المنهج العام لابنه المهدي (ع) في غيبته الصغرى سيسير على هذا النسق، وهو أحتجاب شخص الامام مع ايصال التعليمات بواسطة الخاصة. وهو أمر – كما قلنا – قد يبدو غيباً على الأذهان إذا بدأه المهدي عليه السلام بدون سابقة ، ولعل مضاعفات غير محمودة تنتج من استغاب الناس من ذلك . اذن فلا بد من اتخاذ منهج خاص لتهيئة الذهنية العامة لاستساغة هذا الأسلوب وحسن تقبله . أما جعل الوكلاء وإيصاء الناس بالرجوع اليهم في مسائلهم ومشاكلهم فهو مما اعتاد عليه الناس ردحاً من الزمن ، تحت ظل آبائه عليهم السلام . فإنه لم يكن يمكن الارتباط بالبلاد البعيدة ذات القواعد الشعبية الموالية إلا عن هذا الطريق.وانما تنحصر المشكلة في الاحتجاب ومخاطبة الناس - على طول الخط – عن طريق المكتبات وقبض الأموال – على الدوام – عن طريق الوكلاء وهو الأمر الذي ينبغي بهيئة الذهنية العامة له وزرعه في المجتمع من جديد. وكان قد بدأ بالتخطيط لذلك – بعض الشيء – الامام الهادي عليه السلام ، ليكون تعودهم على هذا المسلك بدريحياً وطيئاً موافقاً للفهم العام لدى الناس . روى المسعودي(1) ان الامام الهادي عليه السلام كان يحتجب عن كثير من مواليه إلا عن عدد قليل من خواصه. وحين افضى الأمر إلى الامام الحسن العسكري عليه السلام ، كان يتكلم من وراء الستار مع الخواص وغيرهم ، إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان . ـــــــــــــــــــــ (1) اثبات الوصية ص 262 وانظر منتهى الامال ج 3 ص 565 .
|
|