فنراه عليه السلام يكتب إلى أحد علمائنا الأبرار أبي الحسن علي بن الحسين بابويه القمي ، رساله بهذا الشأن يقول فيها : عليك بالصبر وانتظار الفرج . قال النبي (ص) أفضل أعمال امتي انتظار الفرج .. ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي (ص) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . فصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي ، وأمر جميع شيعتي بالصبر . فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (1) .

فهذا هو أعلى مستوى اسلامي واعي ، للسلوك الصحيح للفرد المسلم في اثناء الغيبة ، ومن هنا نرى الامام علية السلام يؤكد في عبارته هذه على عدة مفاهيم :

المفهوم الاول :الصبر بمعنى تحمل المشاق والعقبات والارتفاع فوق مستوى الآلام التي تنجم عن فعل الظالمين خلال عصر الغيبة ، وعن انعدام القيادة الرشيدة الموحدة . فانه يجب ان لا تكون المصاعب مثبطات للعزم وموهنة لقوة الارادة التي تحملها المؤمن بين جنبيه ، تجاه ميالمة الباطل والتعاون مع المبطلين .

ــــــــــــــــــــ

(1)   الصدر السابق ص  527

صفحة (217)
 

المفهوم الثاني: انتظار الفرج .. وتوقع اليوم الذي ينفذ الله تعالى به وعده الكبير الذي قطعه على نفسة في كتابه الكريم بقوله تعالى: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً "(1) ... الوعد بإعطاء القيادة العلمية والتوجيه البشري العام بيد الزمرة المؤمنة الصالحة ، التي كانت في عصور الظلم والفساد مضطهدة خائفة .. الوعد الذي تظهر به نتائج جهود كل الانبياء والاوصياء والشهداء والصالحين وتتكلل كل متاعبهم بالنجاح .. الوعد الذي يتم بتخطيط من الله عز وجل وتنفيذ من قبل القائد الأكبر الحجة المهدي عليه السلام .

ولا يخفى ما في الانتظار المنسجم مع المبادىء الاسلامية العليا، من الأثر الايجابي على نفس المؤمن وسلوكه. اذا تصورنا ما في اليأس والقنوط من أثر سلبي عليه ، في اضعاف معنوياته وكبح جماحه والكفكفة من نشاطه .. إذا لم يكن لنشاطه أمل يرجى أو نتيجة تقصد. على حين ان هذا الانتظار أو الأمل يعطيه الدفع الثوري ، الكافي ايماناً وسلوكاُ لكي ينخرط الفرد في سلك الأنبياء والشهداء والصالحين .. ويشارك بمقدار جهده بتمهيد المقدمات ليوم الله الموعود .

المفهوم الثالث: إعطاء القيادة العامة في زمن الغيبة إلى العلماء بالله ، الذين يمثلون خط الإمام عليه السلام .. ذلك المفهوم الذي أعطاه الامام الصادق عليه السلام صيغته التشريعية بقوله : ينظر ان من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا ، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً .

ــــــــــــــــــــــــ

(1) النور 24 /55  .
 

صفحة (218)

 

فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه،فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد ، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله (1).

اوضحه واعطاه صيغته الاجتماعية الكاملة الامام الهادي عليه السلام حين قال : لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين اليه والدالين عليه ، والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلا عن دين الله .. ولكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء شيعتنا كما يمسك صاحب السفينة سكانها . أولئك هم الافضلون عند الله عز وجل (2).

والاساس العام الذي تقوم عليه هذه البيانات ، هو : ان المسلمين الممثلين لخط الأئمة عليهم السلام وقواعدهم الشعبية الكبرى يجب ان لا تبقى – في زمن الغيبة وانقطاع القيادة المعصومة ومصدر التشريع – خلية عن المرشد والموجه والفكر المدبر .. يعطيهم تعاليم دينهم ويرتفع بمستوى ايمانهم وعقيدتهم، ويشرح لهم اسلامهم ، ويوجههم في سلوكهم إلى العدل والصلاح ورضاء الله عز وجل. فإن من هذه الجماهير – ان لم يكن الأكثر – من يكون ضعيف الايمان والارادة ، يحتاج في تصعيد مستواه الروحي وعمله لايماني إلى مرشد وموجه، وإلا كان لقمة سائغة لمردة ابليس وشباكه من اعداء الدين والمنحرفين وذوي الأغراض الشخصية والمصالح الظالمة.

ــــــــــــــــــــ

(1)  الوسائل ، كتاب القضاء ج 3 ص 424 .

(2)  الاحتجاج ج 2 ص 260 .

 

صفحة (219)