|
||
|
الثاني : أن الإمام هو الذي اراد عن علم وعمد أن يكون في جوف الليل ، على الحالة التي رأوه عندها . فقد علم بنحو غيبي أو بطريق خاص ، بمثل هذا الهجوم المفاجيء . فأخفى مستنداته بنحو تام وبدأ بقراءة آيات في الوعد والوعيد ، مما يكون حجة على هؤلاء الأتراك المهاجمين . وإن تخيل الحكام والمؤرخون أيضاً أن القيام بهذه العملية كان على حين غرة منه وغفلة. الثالث : أن الإمام اعطى لهذا المقام مقاله ، بالنحو الذي لا يكون مهدداً مباشرة للكيان القائم ، مع كونه واقعاً موقع التأثير البالغ ، لكون تذكيراً بالموت والعقاب في وقت التلبس بعصيان أوامر الله تعالى . وكان له من الشمول لكل موقف سياسي أو شخص منحرف ، ما يكفي لمتعظ . الرابع : أن المتوكل كان في لا شعوره وفي مرحلة غامضة من بواطن نفسه ، يعترف بأمرين أولهما : أن الحق في جانب الإمام ، وأن قضيته عادلة ، ثانيهما : أن ما يقترفه من الأعمال ، انحراف عن الإسلام وعصيان لأوامر الله المتفق على ثبوتها بين المسلمين ، فهو يحس بوقع الجريمة ووخز الضمير . إلا أن كلاً من هذين الإحساسين تغطيها أغشية المال والملك والمصالح الشخصية ، الذي جعلته في قمة المنحرفين والمعادين لأهل البيت .
وعلى أي حال فقد استطاع الإمام أن يمس بإنشاده بواطن إحساسه ، فأبكاه ونجا من الشر والضرر الذي كان يحاوله ضده ، بل زاد المتوكل على ذلك باعطائه المال وصرفه إلى منزله معززاً مكرماً. ومن مثل هذا الموقف ما كان من الإمام (ع) مع أحمد بن الخصيب ، ومن هو ابن الخصيب !؟ هو الذي استوزره المنتصر وندم على ذلك(1) وذلك لأن ابن الخصيب كان ضيق الصدر بطيئاً في حوائج الناس ظالماً ، ومن ذلك أنه ركب ذات يوم فتظلم اليه منظلم بقصه ، فأخرج رجله من الركاب فزج بها في صدر المتكلم فقتله فتحدث الناس في ذلك فقال بعض الشعراء في أثر ذلك : قال للخليفة يا ابن عـم محمد اشكـل وزيرك أنه ركال اشكله عن ركل الرجال فإن ترد مالاً فعند وزيرك الأموال (2) وقد شارك جماعة الأتراك في تنصيب المستعين بعد المنتصر(3) ولكن المستعين نفاه عام 248هـ إلى اقريطش (اليونان)(4) . ــــــــــــــــــــــ (1) المروج جـ 4 ص 48 . (2) المصدر والصفحة . (3) الكامل جـ 5 ص 3111 والمروج جـ 4 ص48 . (4) الكامل ص 312 . المروج جـ 4 ص 61 .
قال الراوي : فتحير الحاضرون ، ونهض علي بن محمد (ع) فقال اثناء وزارته ، وقد قصر أبو الحسن عنه ، فقال له ابن الخصيب : سر جعلت فداك . فقال له أبو الحسن (ع) : أنت المقدم يقول الراوي : فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخصيب ، وقتل (1) . فهذا من النقد الضمني ، وإلقاء الحجة ، على هذا الوزير المنحرف ، من حيث لا يعلم ، ولكن الإمام (ع) قال له قولاً صريحاً ، نتيجة لاعتدائه عليه والحاحه في الانتقال من الدار التي قد نزلها وتسليمها إليه . قال الراوي: فبعث إليه أبو الحسن : لا قعدن بك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية ، فأخذه الله في تلك الأيام . وهذه هي دعوة المظلوم المستجابة ، وخاصة في مثل شأن هذا الإمام الممتحن (ع) . ومن موارد إثبات الحجة على المستوى الحكومي العالي ، ما ورد بشكل مشهور عن زرافة حاجب المتوكل ، ما حاصله : أن مشعوذاً هندياً أراد أن يأنس المتوكل بلعبه . وكان الإمام (ع) حاضراً في المجلس فاراد الهندي أن يخجله ببعض شعوذاته ، ووجد من المتوكل رغبة في ذلك . فما كان من الإمام إلا أن أشار إلى صورة أسد مرسومة على إحدى الوسائد فوثبت الصورة على شكل أسد حقيقي فافترس الهندي المشعوذ وعاد إلى شكله الأول على الوسادة. ـــــــــــــــــــــــ (1) الإرشاد ص 311 . والمناقب ص 511 جـ 3 .
|
|