|
||
|
الخطوط العامة لمواقف الإمام (ع) : كان الإمام الهادي عليه السلام في سامراء يمارس وظيفته الاعتيادية بصفته الإمام والقائد لمواليه والمشرف على مصالحهم والمدافع عن قضاياهم بمقدار الإمكان ، في تلك الحدود الضيقة التي تحدد بحدود الضغط والرقابة الموجهة إليه وإلى مواليه . فكان له في ذلك موقفان : الموقف الأول: اثبات الحق أو نقد الباطل ، بحسب وجهة نظره ، تجاه الناس من غير الموالين له ، سواء على المستوى العالي في الجهاز الحاكم ، أوعلى مستوى القواعد الشعبية العامة . الموقف الثاني: المحافظة التامة على أصحابه ورعاية مصالحهم وتحذيرهم من الوقوع في الشرك العباسي، ومساعدتهم في إخفاء نشاطهم ، وما إلى ذلك ، بحسب الإمكان . ولعلنا نستطيع أن نتكلم في كل موقف من هذين الموقفين ، بما يوضح الفكرة ويبسط الأمثلة التاريخية ، ويؤسس الاساس لما نريد التوصل إليه في نهاية المطاف ، من دون أن نكون مضطرين إلى ذكر كل شاردة وواردة في ترجمته عليه السلام .
الموقف الأول : نشاطه (ع) تجاه من لا يعتقد بامامته : ويتجلى هذا الموقف في عدة نقاط : النقطة الأولى : النقد السياسي على المستوى الأعلى وهو ما يعبر عنه بلغة الفقه ، أنها كلمة حق أمام سلطان جائر . ولعل أول وأوضح ما يندرج في هذا الصدد ، ما ذكره جماعة من المؤرخين العامة والخاصة ، من أنه سعى به (ع) إلى المتوكل ، وقيل أن في منزلة سلاحاً وكتباً ، وغيرها من شيعته وأوهموه أنه يطلب الأمر لنفسه فوجه إليه عدة من الأتراك ليلاً ، فهجموا على منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر ، وعلى رأسه ملحفة من صوف ، وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل . فمثل بين يديه والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كاس ، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه ، ولم يكن في منزله شيء مما قيل عنه ولا حجة يتعلل بها.
فناوله المتوكل الكأس الذي في يده . فقال : يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني ، فاعفاه ، وقال : أنشدني شعراً استحسنه فقال : أني لقليل الرواية للشعر ، قال : لا بد أن تنشدني شيئاً . فأنشده :
باتوا على قلل الأجيال تحرسـهم غلب الرجال فما اغتنـم القـلل واستنزلوا بعد عز مـن معاقلهم فأودعوا حفراً يابسـاً ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد مـا قبروا أين الاسرة والتيجـان والحلـل أين الوجوه التي كـانت منعمـة من دونها تضرب الأستار والكلل فافصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليـها الدود يقتتـل قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الاكل قد أكلوا
قال : فاشفق من حضر على علي (ع) وظن أن بادرة تبدر إليه فبكى المتوكل بكاء كثيراً حتى بلت دموعه لحيته ، وبكى من حضره ثم أمر برفع الشراب . ثم قال : يا أبا الحسن ، أعليك دين ؟! قال : نعم ، أربعة آلاف دينار . فأمر بدفها إليه ، ورده إلى منزله مكرماً (1) . ولعلنا نستطيع أن نفهم من هذه القصة ، عدة أمور: الأول : مقدار الجو المكهرب الذي كان يعيشه الإمام (ع) تجاه السلطات ، وكيفية معاملتهم معه ، تلك المعاملة التي كان للأتراك اليد الكبرى في ارتكابها وتحمل جريرتها. ــــــــــــــــــــــــــــ (1) انظر ابن خلكان جـ 2 ص 434 ، وأبو الفداء جـ 1 ص 470 وابن الوردي جـ 1 ص 232 والمسعودي في المروج جـ 4 ص 11 .
|
|