وأخذ المتوكل من أبي الوليد حين قبض على أبيه أحمد بن دؤاد ، قاضي القضاة يومئذ ، أخذ منه مئة وعشرون ألف دينار وجواهر قيمتها عشرون ألف دينار . حملها إلى المتوكل اختياراً . ثم صولح بعد ذلك على دفع ستة عشر مليون درهم . وأما أبوه الذي كان قاضياً للقضاة ، فصادر جميع أملاكه وضياعه (1) .

ثم عين المتوكل لقضاة القضاة يحيى بن أكثم ، وذلك سنة 237هـ (2) ، إلا أنه عزله عام 240هـ وغرمه خمسة وسبعون ألف دينار ، وأربعة آلاف جريب في البصرة (3) فكم كان هذا الرجل قد حصل عليه من الأموال، خلال هذه السنوات الثلاث ؟!

ومن المستطاع القول أن مقتل المتوكل(4) وخلع المستعين(5) والمعتز(6) والمهتدي وقتلهم ، كان بسبب اقتصادي، يعود إلى أطماع الأتراك ، وعجز الخليفة عن إيفاء مطالب الدولة من الناحية المالية . ولا يبقى من خلفاء سامراء من مات ـ في هذه الفترة ـ حتف أنفه ، إلا المنتصر(7) والمعتمد (8).

 ـــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 5 ص 289 .   (2)    المصدر ص 237 .

(3)    المصدر ص 294 .          (4)    المصدر ص 301 .

(5)    المصدر ص 331 .          (6)    المصدر ص 341 .

(7)    المصدر ص 355 .          (8)    المصدر ص 310.


صفحة (92)

 

ومن المستطاع القول ، بأن الحروب المستعرة التي وقعت في بغداد بين المستعين والمعتز عام 251هـ ، تعود إلى سبب اقتصادي ، مرجعه إلى سوء تصرف الأتراك بالأموال بعد تسليطهم الكامل عليها . فإن المستعين كان قد أطلق يد والدته ويد أتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال ، وأباح لهم أن يفعلوا ما أرادوا ! فكانت الأموال التي ترد من الأفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة . فأخذ أتامش أكثر ما في بيوت الأموال . وكان وصيف وبغا ـ وهما من الأتراك المتنفذين ـ بمعزل عن ذلك ، فشغبوا عليه وقتلوه وقتلوا كاتبه ونهبوا دوره (1).

ثم كان لهذين مؤامرة في قتل المستعين ، فشلت وانكشفت له ، فقال المستعين لهما : أنتما جعلتماني خليفة تريدون قتلي(2) . وكان باغر التركي مشتركاً معهما في المؤامرة ، فتآمرا ضده وقتلاه (3) . وقد كان قتل باغر الشرارة الأولى التي أشعلت الحرب في بغداد ، تلك الحرب التي أدت إلى قتل المستعين عام 252هـ (4) .

وقد كان لام المعتز تسبيباً إلى قتله . فإن الأتراك طلبوا منه المال ، فلم يكن لديه ما يعطيهم ، فنزلوا معه إلى خمسين ألف دينار، فلم يكن يمكنه الدفع. فأرسل إلى أمه يسألها مالاً ليعطيهم ، فزعمت أن ليس عندها شيء، فقتله الأتراك شر قتله (5) .

 ــــــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 5 ص 313 .   (2)    المصدرص 329 .

(3)    المصدر ص 318 .          (4)    المصدر ص 333 .

(5)    المصدر ص 241 وما بعدها .


صفحة (93)


وقد وجدوا عندها ، بعد مقتل ابنها من الأموال مالاً يقدر بثمن . فمن النقد مليون وثلثمائة ألف دينار . ووجدوا في
سفط قدر مكون زمرد لم ير الناس مثله ، وفي سفط  آخر مقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار . وفي سفط آخر قدر كيلجة من الياقوت الأحمر الذي لم يوجد مثله . فحمل ذلك كله إلى صالح بن وصيف ، فسبها وقال :

عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار ، وعندها هذه الأموال كلها.

التاسع : من خصائص هذا العصر ، وليست من مختصاته أيضاً : استمرار الفتح الإسلامي الذي أوجد بذرته الأولى وركيزته العظمى وروحه الدافقة ، نبي الإسلام (ص) .

إلا أن النبي (ص) أعطى الفكرة الصحيحة الداعية للفتح الإسلامي ، فالفتح ليس للقتل ولا الانتقام ، وإنما هو رحمة وشفقة على البلاد المفتوحة ، وتخليصها من نير العبودية والظلم ، وتطبيق النظام الإسلامي الأمثل عليها

وإذا كان هذا هو المعنى الواعي للفتح ، فإنه يترتب عليه أمور :

أولاً: أن تقع المنطقة المفتوحة تحت سيطرة الدولة الإسلامية ، وإشرافها من حيث الناحيتين العقائدية والسياسية، أمنا للدولة الجديدة عن الإنحراف واطمئناناً من حدوث شغب أو اضطراب أو انحراف عن تعاليم الإسلام .


صفحة (94)