ثانياً : أن الفتح لا يكون إلا بإشراف رئيس الدولة الإسلامية وهو النبي (ص) في حياته ، أو خليفته الشرعي العادل بعد وفاته .

فإن هذا الرئيس هو المطلع على المصالح بشكل أعمق وأدق والممسك بيده زمام السياسة العليا ، والمستشعر بشكل أوضح وأوعى ، المعنى العظيم للفتح الإسلامي البعيد عن المصالح الشخصية والمنافع الذاتية . ومن ثم لم تكن الفتوح الإسلايمة ، في زمن النبي (ص) والخلافة الراشدة منطلقة إلا بإذن الحاكم الإسلامي الاعلى .

ثالثاً : إن الغنائم ليس لها أهمية تذكر. فإن المقصود إذا كان هو رفع الظلم عن البلد المفتوح ، فهو حاصل ، سواء غنم الجيش الإسلامي أو لم يغنم . وإنما تكون الغنيمة من قبيل جوائز التشجيع توزع على الجيش الإسلامي المنتصر ، رفعاً لمعنوياته وترغيباً له على التكرار .

رابعاً : إن الوعي إذا كان على هذا المستوى الرفيع ، كان الجيش الإسلامي هو المندفع والمنتصر دائماً والكاسح لعروش الظلم والفساد ، عروش كسرى وقيصر .

بل أن الشعب المظلوم المتخلف ، وهو يحس بظلامته ، بمجرد أن يفهم أن الغزاة المسلمين ليسوا طامعين ولا ناقمين ، وإنما قدموا ليطبقوا النظام العادل ويكفلوا لمجتمعهم السعادة والرفاه ، فإنهم سوف يكونون قلبياً بل عملياً مع الجيش الفاتح ضد سلطاتهم وحكامهم ، وعوناً للجيش الإسلامي ضدهم . ومن هنا وجب على الجيش الإسلامي أن يدعو إلى الإسلام ويعرض محاسنه على أهل البلاد قبل أن يناجزهم القتال .


صفحة (95)

 

فهذه أمور أربعة يقتضيها الجهاد الواعي الذي أسس أساسه النبي (ص) . وكلها كانت ضئيلة أو منعدمة في الفتح الجاري أثناء العصر الذي نؤرخ له .

فنحن نسمع مثلاً : أن العباس بن الفضل بن يعقوب ، خرج عام 237هـ إلى قلعة ابن ثور فغنم وأسر وعاد ، فقتل الأسرى . وتوجه إلى مدينة قصريانه ، فنهب وأحرق وخرب (1) .

وفي سنة 238هـ خرج حتى بلغ قصريانه ، ومعه جمع عظيم ، فغنم وخرب. وأتى قطانية وسرقوسة ونوطس ورخوس ، فغنم من جميع هذه البلاد وأحرق ، وفي سنة 42هـ ، سار العباس في جيش كثيف ، ففتح حصوناً جمة.

وفي سنة 243هـ سار إلى قصر يانة فخرج أهلها فلقوه وقاتلوه فهزمهم ، وقتل فيهم فأكثر . وقصد سرقوسة وغيرهما فنهب وخرب وأحرق . ونزل على القصر الحديد وحصره وضيق على من به من الروم ، فبذلوا له خمسة عشر ألف دينار ، فلم يقبل وأطال الحصر ، فسلموا إليه الحصن على شرط أن يطلق مأتي نفس ، فأجابهم إلى ذلك وملكه وباع كل من فيه سوى مأتي نفس ، وهدم الحصن(2) .

ــــــــــــــــــ

(1)    الكامل جـ 5 ص 289 .

(2)    كل ذلك في الكامل جـ 5 ص 289 .


صفحة (96)
 

ونسمع أنه في عام 246هـ غزا عمرو بن عبد الله الأقطع الصائفة ، فأخرج سبعة شعر ألف رأس . وغزا قريباس وأخرج خمسة آلاف رأس . وغزا الفضل بن قارن في نحو من عشرين مركباً فافتتح حص أنطاكية .

وغزا بلكاجور فغنم وسبى ، وغزا علي بن يحيى الأرمني ، فغنم خمسة آلاف رأس ومن الدواب والرمك والحمير نحواً من عشر آلاف رأس (1).

ولعل من أعظم الغنائم في ذلك العصر ما غنمه بازمار عام 270هـ ، بعد أن قتل من الروم ـ فيما قال ـ سبعين ألفاً وعدداً من قوادهم . وغنم منهم : سبع صلبان من ذهب وفضة ، وصليبهم الأعظم من ذهب مكلل بالجوهر ، وأخذ خمسة عشر ألف دابة وبغل ، ومن السروج وغير ذلك ، وأربع كراسي من ذهب ومائتي كرسي من فضة وآنية كثيرة ، ونحواً من عشرة آلاف علم ديباج ، وديباجاً كثيراً وبزيون وغير ذلك (2) .

ونسمع أنه في سنة 248هـ أغزا المنتصر وصيفاً التركي إلى بلاد الروم. وكان سبب ذلك : أنه كان بينه وبين أحمد بن الخصيب شحناء وتباغض ، فحرّض ابن الخصيب المنتصر وأشار عليه بإخراجه من عسكره للغزو (3)، فنفذ المنتصر ذلك وأمره بالمقام بالثغر أربع سنين يغزو في أوقات الغزو ، إلى أن يأتيه رأيه .

 ـــــــــــــــــــ

(1)    المصدر ص 300 .  (2)    الكامل جـ 6 ص 55 .

(3)    الكامل جـ 5 ص 307


صفحة (97)