|
|||||
|
ويمكن أن يجاب على ذلك بثلاثة أجوبة : الجواب الأول : أننا بينما نرى أن الترقيم ثابت في الروايات فإن العدد : ثلاثمائة وثلاثة عشر، مستفيض النقل وعليه عدد مهم من الروايات ،كما أن التحديد لكل مدينة أكثر نقلاً من التسمية ،من حيث أن بعض الروايات تتضمن الرقم والتسمية وبعضها تتضمن الرقم فقط ، كالرواية الأولى التي نقلناها عن ابن طاووس . فبينما نرى الترقيم ثابتاً في الجملة ، نجد أن التسمية غير ثابتة ، لما سمعناه من أن الروايات الناقلة للأسماء ضعيفة السند وقلقلة العدد متعارضة في ذكر الأسماء ، فتسقط عن قابلية الإثبات التاريخي .ومع انتفاء الدليل على التسمية يكون الإشكال في مستواه الثالث منتفياً موضوعاً. هذا وسيكون الجوابان الآتان شاملين للمستويات الثلاثة كلها ، وإنما أجلناها إلى المستوى الثالث لمناسبتها معه دون ما سبق من الأجوبة على المستويين الأولين ، وستكون زاوية النظر في احدهما اجتماعية وفي الآخر فلسفية . الجواب الثاني: أن نعيد النظر في الخصائص المعطاة لهؤلاء الثلاثمائة والثلاثة عشر، فبينما عرفناها خصائص (داخلية) تمت إلى تكوينهم الشخصي الإيماني بصلة وثيقة يمكن أن نعتبرها الآن خصائص عرضية أوخارجية ، تمت إلى وضعهم الإجتماعي بصلة ، الشكل الذي سنذكره بعد لحظة . فليس هؤلاء فقط هم المتصفين بالدرجة الأولى من الإخلاص ، بل هناك أناس غير مسمين متصفين بها أيضاً .وإنما يختص هؤلاء بصفات أخرى (اجتماعية) يمكن فهمها على شكلين طبقاً للأطروحة المختارة لكيفية اجتماعهم . فإن اخترنا لهم الإجتماع الإعجازي في مكة .كانت خصيصتهم الرئيسية أنهم ـ دون غيرهم ـ ينقلون بالمعجزة من أجل نصرة المهدي (ع) .وليس اختصاصهم بذلك من أجل مستواهم الإيماني ، بل قد تكون لمصالح أخرى في علم الله عز وجل ،كإتصافهم بقوة جسمية معينة أو بثقافات وتدريبات قيادية معينة يفقدها الآخرون ...مما لا يمت إلى قانون التمحيص بربط مباشر ومعه لا تكون هذه الخصائص ولا خصيصة الإنتقال الإعجازي مضرة بشمول هذا القانون .
وإن اخترنا لهم الإجتماع الطبيعي، كما رجحناه، امكننا أن نضع التسلسل الفكري للحوادث كما يلي: أن الوصول إلى الدرجة الأولى من الإخلاص أوسع من هذا الرقم وأوسع من هذه الأسماء المذكورة في الروايات، وسوف يؤثر (النداء) باسم المهدي (ع) في إثارة الشوق في نفوس الجميع ، وسيسافرون جميعاً إلى مكة المكرمة. غير أ ن لحظة الظهور حيث انها غير محددة في اذهانهم وانما ينتظرونها بعد الحج اجمالا فمن الصعب بطبيعة الحال أن يبقى الجميع في المسجد الحرام باستمرار طوال الايام انتظارا للظهور، وانما هم يبقون في منازل مكة وفنادقها. ثم يحصل الظهور في لحظة معينة وهي مساء اليوم العاشر. كما ورد في بعض الروايات. وسيصادف ان المسجد الحرام يحتوي على ثلاثمائة وثلاثة عشر من المنتظرين في مكة المكرمة .. لمجرد رغبتهم في الطواف في تلك الساعة. وهذه المصادفة سوف تقتضي أن يكون هؤلاء ـ دون غيرهم ـ هم أول من يواجه الإمام المهدي (ع) ويسمع خطبه ويتشرف بمبايعته ... ريثما يتسامع الناس بالظهور ، ويهرع الآخرون للوصول بخدمة الإمام المهدي (ع). ومن الواضح أن هذه المصادفة غير مضرة بشمول قانون التمحيص ، ولا منافية معه. الجواب الثالث: أننا لو تنزلنا عن كل ذلك ، وفرضنا أن التسمية لأشخاص معينين لايمكن تبديلهم .وأنه أمر ثابت لا محيص عنه الآن فكرة مبسطة ومختصرة محيلين التفصيل إلى المصادر الفلسفية . إن هذه الروايات الناقلة للأسماء ـ على تقدير ثبوتها ـ تنقل لنا رأي قائليها وهم الأئمة المعصومون (ع. وآرائهم دائماً مستقاة من الني الأعظم (ص) .وهو "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" . إذن فالأمر يعود إلى تعلق العلم الإلهي بنجاح أشخاص معينين ووصولهم إلى الدرجة الأولى من الإخلاص . وعلم الله عز وجل عين إرادته ، كما ثبت الفلسفة ، فلو كانت إرادته تعالى قد تعلقت باتصاف هؤلاء بهذه الصفة على كل حال ، أعني :ولو بسبب قهري غير إرادي ، لكان الإشكال وارداً ، إذ من الظلم أن تتعلق الإرادة الإلهية بإنجاح هؤلاء دون غيرهم ، والظلم مستحيل الثبوت لله عز وجل كما ثبت في الفلسفة أيضاً .
ـــــــــــــــــ (1) النجم : 53 /3-4.
ولكن إرادة الله تعالى على نجاح هؤلاء بملىء إرادتهم واختيارهم .وهو ـ في واقعه ـ معنى النجاح في التمحيص . لما عرفناه من أن عنصر الإختيار ضروري في قانون التمحيص وأحد الأركان الرئيسية للنجاح فيه إذ لو كان النجاح جبرياً قهرياً ، لما كان نجاحه أصلا . فإن إعطاء معدن الذهب شكل الحلي الجميل ليس فخراً للذهب كما هو واضح . ومعه نعرف : إن علم الله الأزلي بنجاح هؤلاء باختيارهم وبرسوب الراسبين بإختيارهم أيضاً . وإرادته تعلقت بذلك أيضاً ... فهما متساوقان مع القانون العام للتمحيص الذي سنه الله تعالة بعلمه وإرادته أيضاً ،ووهب الإختيار للبشر بعلمه وإرادته أيضاً. ومعه يكون مدلول الروايات: إن هؤلاء المسلمين أو المعدودين هم الذين سيحسنون التصرف وتكون مواقفهم الإختيارية صحيحة وعادلة ، وإن غبرهم سوف لن يبلغ مبلغهم بإختياره أيضاً ،ولو لم يقصر المقصرون ، وكان الناس على المسؤولية في عهد التمحيص ، لكان الناجحون أكثر ولو ردت تسميتهم في الروايات أيضاً. ولكن من المؤسف أن الناس قد أبدوا باختيارهم سلوك المقصرين وتصرف المذنبين ، فتضاءل عدد الناجحين ، فتضاءلت تسميتهم في الروايات أيضاً ، وقد قال الله تعالى: " ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون "(1). ومن الطبيعي أن يكون الناجحون باختيارهم والواصلون إلى الدرجة الأولى بتضحياتهم وجهادهم ، يكونون اهلاً لكل المميزات التي يتفردون بها عن البشر أجمعين، لأنهم أدوا من التضحيات ما لم يؤد غيرهم من الناس ، فأرتفعوا إلى مستوى لم يرتفع إليه غيرهم من البشر ....إبتداء بأهتمام رسول الله (ص) والأئمة المعصومين (ع) بتعدادهم وتسميتهم ،وانتهاء بنصرتهم للمهدي (ع) وممارسة القيادة والحكم بين يديه. هذا ولا ينبغي أن ننسى أن الدرجات الأخرى من الإخلاص ، ينالها الفرد بالإختيار أيضاً ،ولكنها حيث تكون أسهل منالاً .فإن القواعد الشعبية المتصفة بها أيضاً ستكون أوسع ، وكلهم بالتدريج سينصرون المهدي (ع) ويعملون بين يديه .
ـــــــــــــــــ (1) يس : 36/30
|
||||
|
|||||