الخصيصة الثالثة : أن هؤلاء الخاصة الثلاثمئة والثلاثة عشر رجلاً يتميزون عن غيرهم  لعدة أسباب :

أولاً : إتصافهم بالإخلاص من الدرجة الأولى ، في نتيجة التمحيص السابق على الظهور ....دون غيرهم .

ثانياً : مبايعتهم للمهدي(ع) لأول مرة بعد جرائيل (ع) واستماعهم لخطبته .

ثالثاً : أنهم قادة جيشه خلال القتال ...لا أنهم يمثلون كل الجيش كما سبق أن قلنا ....فهم العدد الكافي من القواد لغزو العالم ، لا من الجنود العاديين .

ومن هنا ، لن يكتفي الإمام المهدي (ع ) بهؤلاء الخاصة ، بل انه "ما يخرج إلا في أولي قوة ،وما يكون  من أولي قوة أقل من عشرة " كما سمعنا في الروايات . "ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ، ثم يسير منها إلى المدينة " كما سمعنا في رواية أخرى "فإذا اجتمع له العقد :عشرة  آلاف رجل، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله " كما في رواية ثالثة .

والروايات تسكت عن تحديد فترة بقائه ، في مكة ريثما يجتمع له هذا العدد .وإن كان المظنون من مجموع القرائن أنه لن يزيد عن أسبوع.

الجهة الثامنة : هناك سؤال قد يخطر على البال ، من  خلال التأكيد في الروايات عل أعداد هؤلاء الخاصة و التعرف على شخصياتهم وأماكنهم .وهو أنه إذا صح ذلك فسوف لن ستطيع أي إنسان آخر ان يصبح متصفاً بالإخلاص من الدرجة الأولى ،وسوف تذهب جهوده في ذلك سدى ، بعد أن كان المتصفون به معينين ومعروفين سلفاً.

فكيف نوفق بين ذلك، وبين قانون التمحيص العام الساري المفعول قبل الظهور، الذي لا يقتضي نجاح أفراد  لأعيانهم بل يوكل ذلك إلى همة الفرد وإيمانه ومقدار تضحياته في سبيل الحق . وهذا معنى عام قد تزيد نتيجته وقد تنقص فكيف نوفق بين هذين المعنيين ؟!.

ويمكن أن نعرض هذا السؤال على مستويات ثلاثة :

المستوى الأول: أن ننظر إلى التنافي المحتمل بين المفهوم العام لقانون التمحيص  وما ورد من التحدي بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. لاعتبار ان هذا التحديد واضح وثابت في الروايات ، وأما التحديدات الأخرى ، فلا يخلو ثبوتها من ضعف ، كما سمعنا .

 

صفحة (294)

 

ويمكن الجواب على هذا التنافي بوجوه ثلاثة :

الوجه الأول : أن النجاح في التمحيص من الدرجة الأولى غير خاص بهذا العدد لو نظرنا إلى مجموع أجيال الأمة الإسلامية ،فإن عدداً من الناس  قد يصلون إلى هذا المستوى الرفيع ، ولكن حياتهم تنتهي ولا يحصل الظهور .لأن  مجموع من حصل على هذه الدرجة العليا من الجيل ليس كافياً لغزو العالم بالعدل .

 ومعه ، فلو نظرنا إلى أجيال الأمة لوجدنا عدداً ضخماً من الناس المتصفين بهذه الصفة .كل ما في الأمر أن كل جيل بعينه ، لا يحتوي على العدد الكافي منهم ... وأول جيل يحتوي على ذلك هو الجيل الذي يحصل فيه الظهور.

إذن ، فالفرصة مفتوحة ، طبقاً للقانون االعام ،للوصول إلى تلك المرتبة وإنما يقصر الناس عن ذلك انطلاقاً من اختيارهم وإرادتهم . وأول جيل سوف يتوفر العدد الكافي فيه لغزو العالم  بالعدل . سوف يتم فيه الظهور .

الجواب الثاني: إن المسألة مسألة وقت ليس إلا ، غير أنه وقت متعين غير قابل للزيادة والنقصان. فإن الظهور كما لا يمكن أن يحدث قبل توفر العدد الكافي لا يمكن أن يتأخر عن زمان توفره .

أما قبل توفر العدد كله، فالفرصة موجودة بوضوح ، لأجل توفير العدد بالتدريج من مجموع الناس ، حسب ما لديهم من الهمة والتضحية ....طبقاً للقانون ، واما بعد توفر العدد ، فالقانون ولو كان باقياً ، غير ان الظهور سوف لن يتأخر عندئذ بطبيعة الحال .وبه سوف يستوفي القانون السابق غرضه ،وتتحول تربية البشرية إلى التخطيط العام الجديد.

فعدم إمكان الزيادة على العدد ،لا لأجل التصور في الفرص القانونية للتمحيص بل لأجل تحقق الظهور عند توفر العدد الكافي، الأمر الذي يغير قانون التمحيص إلى شكل جديد .

الجواب الثالث: أننا لو تنزهنا ـ جدلاً ـ عن ذلك كله ،وفرضنا كون هذا  الرقم  مرصوداً لأشخاص معينيين ، أمكننا الجواب على ذلك من نواحي أخرى  اجتماعية  وفلسفية بالشكل الذي نحاول عرضه في الجواب على المستوى الثالث.

المستوى الثاني : أنه بعد البرهنة على التنافي بين رقم الثلاثمئة والثلاثة عشر وبين قانون التمحيص العام .وإن هذا الرقم يبقى فارغاً قابلاً للملء بأي إنسان ، ننظر في المستوى الثاني إلى التنافي المحتمل بين قانون التمحيص وبين تسمية البلدان والأعداد لمذكورة لكل منها .إذ قد يخطر في البال ، عدم وجود الفرصة للزيادة على ذلك .

 

صفحة (295)

 

ويمكن تقديم ثلاثة أجوبة موازية للروح العامة للأجوبة الثلاثة الواردة في المستوى الأول .

الجواب الأول :أننا لو نظرنا غلى الأجيال المتطاولة للبصرة ـ مثلاً ـ لم نجد أربعة من الناجحين الكاملين فقط ،بل أكثر من ذلك بكثير، وكل ما في الأمر أن هذا الرقم هو الذي سيخرج من البصرة في الجيل المعاصر للظهور .

بل إن الحال أوسع من ذلك ، فقد يوجد في  البصرة أكثر من هذا العدد في جيل ما .وإنما لم يحصل الظهور باعتبار عدم توفر العدد المطلوب في العالم ، على وجه العموم ، لتقلص عدد من المدن  عن المشاركة في تصدير حصتها من هؤلاء ،

بينما يعاصر جيل الظهور تقلصاً في رقم (البصرة) وتوسعاً في بعض المدن الأخرى ،طبقاً للحالة النفسية والعقلية والإجتماعية التي تعيشها كل مدينة .

الجواب الثاني: إن المسألة مسألة وقت لا غير ، تماماً كالمستوى الأول لكن بعد ملاحظة (البصرة) وكل مدينة عينها ، كجزء من كل مشارك في التخطيط العام لإيجاد العدد الكافي .فبمجرد أن يتم العدد الكافي يحدث الظهور ولكن من حسن حظ بعض المناطق أنها تشارك بعدد أكثر لحسن تصرف الأخبار من أهلها وأدائهم التضحية في سبيل الحق والهدى ، على حين تشارك المدن الأخرى بعدد أقل ، لسوء تصرف أهلها وتفضيلهم اللذاذة العاجلة على التضحية العادلة .

ولا ينبغي أن ننسى ما عرفناه في التاريخ السابق من صعوبة الوصول إلى هذه الدرجة العليا والإخلاص، واحتياجها إلى قوة في الإرادة وسعة في الثقافة لا تتوفر إلا في القليل من الناس .

والجواب الثالث: أننا لو تنزلنا ـ جدلاً ـ عن الوجهين السابقين ، وفرضنا أن رقم الأربعة من البصرة ، مرصود لأشخاص معينين ،وكذلك غيرها من المدن ، أمكننا الجواب على ذلك من زوايا أخرى ، على من سنذكره  في الجواب الثاني والثالث على المستوى الثالث.

المستوى الثالث: أنه بعد البرهنة على عدم التنافي بين مجرد الترقيم سواء منه العام أو الخاص بكل مدينة ، وبين التمحيص العام ....يبقى التنافي بين هذا القانون العام وبين التسمية الواردة في الروايات ، فإنها ـ على أي حال ـ إشارة إلى أشخاص معينين ، لا يمكن إبدالهم بغيرهم .وليس كالترقيم يمكن ملؤه بأي إنسان  .


صفحة (296)