|
|||||
|
ثالثاً : تدل الرواية على ان السلطات المكية بدائية الشكل، والمجتمع المكي متدين إلى حد ما بحيث يتورع عن قتل هؤلاء في الحرم المكي ، وكلا الفكرتين قابلة للمناقشة . أما بدائية الدولة فقد ارتفعت في العصر الحديث ، وتبدلت إلى الدولة النظامية الحديثة ، ومن الواضح :أن معجزة مثل هذه لو حدثت في دولة حديثة لما تلكأت الدولة في إلقاء القبض على هؤلاء واستنطاقهم فرداً . ولا أقل من تشديد قوى الأمن الداخلي وجعلهم تحت الرقابة المستمرة استعداداً لكل طارىء فالغض عنهم . ووقوع الجدل بشأنهم لا يكاد يكون محتملاً في أنظمة الدولة الحديثة . نعم ، سوف يكون لهذا أثر مع صحة الأطروحة الطبيعية التي عرضناها لإجتماعهم .كما هو واضح . وإنما يترتب ذلك طبقاً للفهم الإعجازي لإجتماعهم .وقد يعتبر ذلك أحد نقاط الضعف في هذا الفهم . وأما تدين المجتمع المكي ... فهناك قرينة رئيسة على نفيه ، وهو قتل النفس الزكية بين الركن والمقام قبل الظهور بخمسة عشر يوماً ، وسيصادف ذلك زمن وجود هؤلاء في مكة طبقاً للأطروحة الطبيعية ، ومن يكون على مستوى القتل في داخل المسجد الحرام ، سوف لن يتورع عما هو دونه ،وهو القتل في خارج المسجد. غير أن ذلك مما سوف يكون مستغنى عنه طبقاً للأطروحة الطبيعية للإختلاف الجذري بين مهمة النفس الزكية الذي يواجه الشعب المكي بما لا يرتضيه ،وبين مهمة هؤلاء الذين لن يحركوا ساكناً ولن يلفتوا نظراً قبل الظهور. الجهة السابعة : في خصائص أخرى نصت عليها الروايات ، لأصحاب الإمام المهدي (ع) : الخصيصة الأولى : تسميتهم بجيش الغضب. وهو ما دلت عليه روايات أخرجها النعماني في الغيبة(1) والصدوق في إكمال الدين(2) وقد نقلنا بعضها فيما سبق.
صفحة (291) ـــــــــــــــــ (1) ص167وما بعدها . (2) انظر النسخة المخطوطة
والسر في هذه التسمية هي انها بقيادة إمامهم المهدي(ع) ، يمثلون غضب الله تعالى على المجتمع الفاسد المتفسخ عقيدة ونظاماً ولأخلاقاً ، والحكم عليه بالفناء والزوال ، مع بديله إلى مجتمع عادل تسوده السعادة والرفاه . الخصيصة الثانية : أنهم شباب لا كهول فيهم إلا أقل القليل ، كالكحل في العين أو كالملح في الطعام ، كما دلت عليه إحدى الروايات .وهذا التشبيه دال على أن هؤلاء الكهول القلائل هم من أفضل الجماعة إيماناً وإخلاصاً وثقافة ، وإن وجودهم فيهم ضروري .....شأن الملح في الطعام فإنه على الرغم من قلته إلى سائر الأجزاء ، إلا أنه أهمها و أكثرها ضرورة . وهذا أمر موافق مع خصائص النفس الإنسانية . فالشاب بطبيعته أقوى من الكهل إندفاعاً وقوة وإرادة ، والكهل أفضل من الشاب رشداً وتجربة وثقافة ، والجيش المتكامل يحتاج إلى كلا النوعين بطبيعة الحال .ولكنه إلى الإندفاع وقوة الإرادة أحوج .وأما الرأي ـ إن احتيج إليه ـ فيكفي فيه العدد القليل ،ومن الواضح كون الرأي الأهم موكول إلى الإمام المهدي (ع) نفسه، إلا في ما يستشير أصحابه من الأمور ،كما كان النبي (ص) يفعل أحياناً ،وخاصة بعد أن وعدهم أن يكون حيث يريدون . وقد يخطر في الذهن: أن المفروض في أصحاب الإمام المهدي (ع) ـ كما قلنا ـ أن يكونوا من المخلصين الممحصين المتكاملين في الإيمان والإرادة إلى درجة عالية جداً. وهذا ما يحتاج الفرد في الوصول إليه إلى سنين وسنين ، وإلى ظروف كثيرة وتجارب مثيرة ، وهذا لا يتم في الشباب على أي حال ،فكيف ينسجم ذلك مع ما دل على كونهم ـ في الأغلب ـ من الشباب . والجواب على ذلك يكون على مستويين : المستوى الأول : أننا قلنا في تاريخ الغيبة الكبرى(1):إن تمحيص الفرد وتربيته لا يعود فقط إلى الظروف التي يعيشها الفرد خلال حياته ...بل يعود جزء كبير منها إلى تربية الأمة كلها متمثلة بالأجيال المتصاعدة ، فكل جيل من الصالحين يوصل نتيجة التمحيص إلى درجة معينة ويورثها إلى الجيل الذي يليه ليمشي بها خطوة أخرى ،،،وبقانون (تلازم الأجيال) يبقى التمحيص ساري المفعول على مجموع الأمة .
ـــــــــــــــــ (1) أنظر ص364وغيرها .
ومعه فمن الممكن القول : إن التمحيص في الجيل الأسبق على الظهور قد بلغ من العمق والشمول بحيث لم يبق منه إلى انتاجه الكامل ، إلا خطوات قليلة تتحقق خلال السنوات الأولى من الجيل الذي يليه وهو الجيل السابق على الظهور مباشرة ، أعني الجيل الذي يحصل فيه الظهور ،ومعه فسيتحقق الظهور حال شباب الأعم الأغلب من هؤلاء الصالحين . المستوى الثاني : إن الأسباب التي يخرج بها الفرد ممحصاً كاملاً تمثل في حقيقتها كما برهنا عليه في االتاريخ السابق(1) المواقف وردود الفعل التي يتخذها الفرد تجاه الظروف الخارجية الظالمة والعادلة على حد سواء .فكلما كانت المواقف أصح وكانت ردود الفعل افضل، كان الفرد أكثر نجاحاً وتمحيصاً . وهذه الظروف قد تكون بطيئة الإنتاج ، بمعنى أن كل حادثة تمر بالفرد لا تقتضي منه إلا درجة بسيطة من الإخلاص وقوة الإرادة ، فيكون تكامله محتاجاً إلى تجارب كثيرة وطويلة ، فيصبح بطيئاً محتاجاً إلى عشرات السنين ،وقد لا ينتج المستوى المطلوب طول عمر الفرد أصلاً ،وإنما يصل الفرد إلى مرتبة ناقصة من الكمال فحسب. وقد تكون الظروف التي تمر بالفرد تقتضي منه قوة ضخمة في الإرادة ودرجة عظيمة في الإخلاص ،وتكون موافقة وردود فعله صالحة وصحيحة .... فتكون تربيته سريعة و وصوله إلى الدرجة المطلوبة لو وفق إلى النجاح في كل الخطوات ـ غير محتاج إلى زمان طويل. ومعه يمكن أن نحصل على أشخاص ممحصين كاملين ،وهم في سن الشباب . على أننا لو جمعنا بين هذين المستويين ... والحياة تتضمن ـ في الأعم الأغلب ـ الجمع بينهما بشكل وآخر. فالفرد ـ حتماً – يكتسب من الجيل السابق ما يمكنه اكتسابه من الثقافة والإخلاص ، ويضيف عليه من عنده فيما يتخذه من مواقف وردود فعل صالحة تجاه الحوادث .فإن كانت هذه الحوادث ضخمة ومهمة ،ووفق إلى النجاح فيها ، كان من المخلصين الممحصين لا محالة .
ـــــــــــــــــ (1)المصدر ص307 وما بعدها و التي تليها .
|
||||
|
|||||