|
|||||
|
وأما طبقاً للفهم الإعجازي لإجتماعهم ، وذلك في الليلة السابقة على الظهور ، كما سنسمع .. فالمشكلة أوضح، إذ يصبح اهل مكة ، فيجدون هؤلاء بالمئات من الناس يتجولون في الأسواق بدون هدف معروف .لا يعرفون واحداً منهم ، ولم يسبق لأي منهم أن حمل في فيجيبه جواز سفر أو إذناً بالإقامة . ولعل الروايات أقدر مني في بيان شكل المشكلة . غير أنها منطلقة من زاوية إعجازية ـ اولاًـ وفي مجتمع لا تحكمه دولة نظامية حديثة ، ثانياً . النقطة الثانية : في سرد الروايات الواردة بهذا الصدد. وهي عدة روايات ، اكثرها يورد المشكلة باختصار .ولعل أهم الروايات وأوضحها :ما أخرجه ابن طاووس في الملاحم والفتن (1) نقلاًعن كتاب يعقوب بن نعيم قرقارة الكاتب لأبي يوسف . قال ابن طاووس :قال النجاشي الذي زكاه محمد بن النجار :إن يعقوب بن نعيم المذكور روى عن الرضا (ع) وكان جليلاً في أصحابنا ثقة . ورأينا أن ما ننقله في نسخة عتيقة لعلها كتبت في حياته ، وعليه خط السعيد فضل الله الرواندي قدس الله روحه فقال: ما هذا لفظه : حدثني أحمد بن محمد الأسدي عن سعيد بن جناح عن مسعدة أن أبا بصير قال لجعفر بن محمد (ع) :هل كان أمير المؤمنين (ع) يعلم مواضع أصحاب القائم (ع) كما كان يعلم عدتهم . فقال جعفر بن محمد (ع) : إ ي والله يعرفهم بأسمائهم رجلاً فرجلاً ،ومواضع منازلهم . أقول وتحتوي هذه الرواية على تعداد الأماكن وإن من كل مكان رجل أو رجلان أو أكثر، من دون تسمية ثم يقول : فهؤلاء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، يجمعهم الله عز وجل بمكة في ليلة واحدة ، وهي ليلة الجمعة .فيصبحون بمكة في بيت الله الحرام ، لايتخلف منهم رجل واحد ، فينتشرون بمكة في أزقتها ويطلبون منازل يسكنونها ، فينكرهم أهل مكة ،وذلك(لأنهم) لم يعلموا بقافلة قد دخلت من بلدة من البلدان لحج ولا لعمرة ولا تجارة .فيقول من يقول من أهل مكة بعضهم لبعض :ما ترون .قوماً من الغرباء في يومنا هذا ، لم يكونوا قبل هذا ليس هم من أهل بلدة واحدة ولا هم قبيلة واحدة .ولا معهم اهل ولا دواب .
ـــــــــــــــــ (1) ص169وما بعدها.
فبينما هم كذلك ، إذ أقبل رجل من بني مخزوم فيتخطى رقاب الناس ويقول : رأيت في ليلتي هذه رؤيا عجيبة ، وأنا لها خائف وقلبي منها وجل .فيقولون :سر بنا إلى فلان الثقفي ، فاقصص عليه رؤياك .فيأتون الثقفي ، فيقول المخزومي :رأيت سحابة انقضت من عنان السماء ، فلم تزل حتى انقضت على الكعبة ما شاء الله ،وإذا فيها جراد ذو أجنحة خضر، ثم تطايرت يميناً وشمال، لا تمر ببلد إلا احرقته ،ولا بحصن إلا حطمته . فيقول الثقفي : لقد طرقكم هذه الليلة ، جند من جنود الله عز وجل ، لا قوة لكم به .فيقولون :اما والله ، لقد رأينا عجباً ! ويحدثونه بأمر القوم .ثم ينهضون من عنده فيهتمون بالوثوب بالقوم .وقد ملأ الله قلوبهم رعباً وخوفاً . فيقول بعضهم لبعض وهم يأتمرون بذلك: يا قوم لا تعجلوا على القوم ولم يأتوكم بمنكر ولا شهروا السلاح ، ولا أظهروا الخلاف .ولعله أن يكون في القوم رجل من قبيلتكم فإن بدا لكم من القوم أمر تنكرونه، فأخرجوهم .أما القوم فمتنسكون ، سيماهم حسنة ،وهم في حرم الله جل وعز الذي لا يفزع من دخله حتى يحدثوا فيه حادثة ولم يحدث القوم ما يجب (به) محاربتهم . فيقول المخزومي ـ وهو عميد القوم ـ :أنا لا آمن أن يكون من ورائهم مادة .وإن أتت إليهم انكشف أمرهم وعظم شأنهم .فأحصوهم وهم في قلة العدد وعزة بالبلد . قبل أن تأتيهم المادة ، فإن هؤلاء لم يأتوكم إلا وسيكون لهم شأن .وما أحسب تأويل صاحبكم إلا حقاً . فيقول بعض لبعض : إن كان من يأتيكم مثلهم فإنه لا خوف عليكم منهم ، لإنه لا سلاح معهم ، ولا حصن يلجأون إليه .وإن أتاكم جيش نهضتم بهؤلاء فيكونون كشربة ضمآن .
صفحة (289)
فيضرب على آذانهم بالنوم . فلا يجتمعون بعد انصرافهم (إلى) أن يقوم القائم . فيلقي أصحاب القائم (ع) بعضهم بعضاً كبني أب وأم ، افترقوا غدوة واجتمعوا عشية .... الحديث . النقطة الثالثة : في تلخيص المهم من مضامين هذه الرواية ، مع نقده : أولاً: تدل بوضوح ، على اجتماع هؤلاء الخاصة هؤلاء بطريق المعجزة ، لا يبقون إلا نهاراً واحداً يظهر الإمام المهدي في مسائه . وهذه المعجزة منافية لقانون المعجزات ، بعد أن عرفنا إمكان انتقالهم بطريق السفر الإعتيادي .وكلما أمكن انتاج الهدف بالأسلوب الطبيعي لم تقم المعجزة لإنجازه . ثانياً: تعكس هذه الرواية مدى القلق الذي يسيطر على أهل مكة وحكامها من هؤلاء الغرباء ....حتى أنهم يفكرون في مقاتلتهم ، لولا أن الله تعالى يصرفهم عن ذلك ، باعتبار الحرمة الإسلامية في القتل في مكة المكرمة ما لم يبدأ الآخرون بالقتال ، فيحفظ الله تعالى نفوسهم بذلك إلى حين الظهور . وهذا القلق لدى أهل مكة، واضح وضروري ، مع صحة الإنتقال الإعجازي لهؤلاء الخاصة .وأما مع وصولهم بالسفر الإعتيادي لأجل الحج ـ كما قلنا ـ فالظاهر انه ليس هناك لأية مشكلة ولن يكونوا ملفتين للنظر على كل حال. فإن مكة المكرمة في الأزمنة الاسبقة .كانت لا تستقبل الزوار الحجاج ،إلا في موسم الحج، فمن الطبيعي أن يكون بقاء الزوار في غير هذا الموسم أو بعد انقضائه ، غريباً ملفتاً للنظر .إلا أن الحال قد اختلف جداً في السنوات المتأخرة .فقد أصبحت مكة تستقبل اعداداً كبيرة من الزوار على طول مدار العام .وتشتغل فنادقها بالقاطنين طوال السنة لا تخرج جماعة إلا لتدخل أخرى .ويكون التخلف عن الحج لأجل عدة أهداف كالتجارة و النزهة وتطويل الزيارة ومراجعة الكتب والمفكرين والعلماء ، وغير ذلك .... أمراً طبيعياً لاغبار عليه . ومعه ، يكون أهل مكة قد اعتادوا مواجهة الغرباء باستمرار ، واعتادت السلطات على إعطاء الإذن بالإقامة فترات مختلفة من الزمن طول العام .إذن، فبقاء هؤلاء الخاصة لن يكون ملفتاً للنظر ولن يوجب أي مشكلة ولا دليل كامل على أن الباقين بعد الحج هم هؤلاء فقط ، بل لعل أناساً آخرين يستمرون بنفس القصد أو لأغراض أخرى .
صفحة (290)
|
||||
|
|||||