الناحية الخامسة : هناك بعض الاستفهامات حول هذه الروايات ، نذكر اهمها ، خشية التطويل :

الإستفهام الأول: دلت بعض الروايات السابقة على ان هؤلاء الخاصة هم(أولاد العجم)...فهل يمكن الأخذ بذلك؟

وجوابه :أننا بعد أن نلفت الإنتباه إلى أن المراد من العجم غير العرب عموماً لا خصوص الفرس .نجد نسبة عالية من المدن المذكورة في كل من الروايتين المطولتين هي مدن غير عربية .وإن الأهم منهم وهم الطالقانيون من العجم .غير أن هذه النسبة ان تزيد على النصف كثيراً ، بل لعلها أقل، كما يتضح عند الإحصاء والمقارنة .

ومعه لا يمكن الإلتزام بظاهر تلك الرواية بأن كلهم او أغلبهم من العجم فإن فيهم من العرب نسبة عالية بكل تأكيد على أن اللغة غير مهمة بإزاء الدفاع عن الحق وتوطيد الهدف العادل.

الاستفهام الثاني : دل الخبر الذي اخرجه ابو داود وغيره ، على ان اهل مكة الذين يخرجون المهدي (ع) ويبايعونه وظاهره ان جميعهم من اهل مكة فهل يمكن الالتزام بذلك ؟

وجوابة : انه كان المراد من اهل مكة : من يكون فيها يومئذ \ن فهذا صحيح، لأن جميع الخاصة سوف يكونون فيها ، فيكونون من اهلها بهذا المعنى ، مهما كانت بلدانهم السابقة .

وان كان المراد سكانها الاعتياديون  ، كما هو مفهوم عادة من اللفظ اعني (أهل مكة) .... فهو غير صحيح ، فان آحاد أمنهم من اهلها غير الكثرة الكاثرة منهم  ليسوا منهم على أي حال . يدل على ذلك ما في الخبر نفسه من أن منهم (ابداب الشام وعصائب أهل العراق) وان منهم (ناس من المشرق) وان منهم (الرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة ...) وليست القبائل كلها في مكة .
مضافاً الى الرواتين المطولين اللتين دلتا على ان جميعهم ما عدا اربعة فقط من غير اهل مكة إذا اضفت الى ذلك : الخبر الذي سمعناه عن ابي عبدالله الصادق (ع) .

"سيبعث الله ثلثمائة وثلاثة عشر إلى مسجد مكة ، يعلم أهل مكة أنهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم ".


صفحة (285)

 

وظاهره أنهم جميعاً ليسوا من أهل مكة ، غير ان التنزل عن هذا الظاهر في أربعة فقط ، غير عسير .

مضافاً إلى ما سنسمعه ، غير بعيد ، من أن وجود هؤلاء في مكة سيشكل (مشكلة قانونية) بصفتهم غرباء لم يدخلوا بترخيص من الجهات الحاكمة ،كما دلت عليه الأخبار .

فلو كانوا من أهل مكة ،لم يكن لهذ ه المشكلة أي موضوع.

الإستفهام  الثالث: هل أن وجود بعض هؤلاء الخاصة في مدينة ما ، يعتبر شرفاً وفضيلة تلك المدينة ، أم لا؟

وجوابه: أنه لا شك أن هذه جهة معينة مهمة جداً بالنسبة إلى أي مدينة ، غير أنه  ينبغي المبالغة في ذلك...... لأن السبب الرئيسي لتكامل الفرد في المدن الإعتيادية ، ما لم تحتو المدينة  على زخم علمي وعقائدي  خاص موجب للتكامل كالذي يوجد في القاهرة والنجف وقم وجامعة القرويين وأمثالها في العالم الإسلامي وإلا فسيكون المسبب الرئيسي للتكامل هو زيادة الظلم والإنحراف الساري المفعول ضد المؤمنين في كل الأجيال . وكلما تطرف أهل المدينة إلى جانب الباطل تطرف هؤلاء إلى جانب الحق وكما برهنا عليه في التاريخ السابق  ومن هنا يكون سبب التكامل العالي ، حتى يكون الفرد بدلاً من الأبدال ،وهو تطرف الأفراد الآخرين إلى جهة الباطل وإضطهادهم الأفراد المؤمنين إلى أقصى حد.

وهذا هو الذي يجعل إنتاج المدينة الإعتيادية  لبعض الأفراد المتكاملين الخاصين ، لايمثل شرفاً ولا فضيلة بالنسبة إلى الأفراد الآخرين في الأعم الأغلب .

الجهة السادسة :من هذا الفصل: في المشكلة القانونية التي يحدثها بقاء هؤلاء الثلاثمائة والثلاثة عشر في مكة المكرمة ، ما بين ورودهم إلى حين تحقق الظهور .

ونتحدث عن ذلك ، ضمن عدة نقاط :

النقطة الأولى : في محاولة فهم هذه المشكلة أساساً .

أن المنطلق الأساسي الذي يثير المشكلة هو وجود هؤلاء الغرباء  فترة من الزمن تقل أو تكثر بدون سبب ظاهر .

 

صفحة (286)

ـــــــــــــــــ

(1) ص244 وما بعدها .

 

إنها مشكلة مفهومة في جو المجتمع القديم ، حين كان الغريب منظوراً إليه بعين الإستغراب ،ومراقباً من قبل أي فرد في كل تحركاته ، تصعب مجاملته ومكالمته وتعتبر الصداقة معه خطوة خطرة . بل أن مجرد بيع الطعام إليه لأ يكون إلا بالحذر. فكيف إذا كان الغرباء كثيرين في وقت لم تعتد المدينة على استقبال الزوار. وكان من الواضح عدم وجود هدف معين لإجتماعهم . ولم يتذكر فرد من أهل البلدة أنه رأى أي واحد منهم طيلة حياته . إن أهل مكة سيعيشون مثل هذه المشكلة إذا كانوا يمثلون المجتمع القديم .

وهي مشكلة مفهومة أيضاً ، بحسب قوانين الدول الحديثة ، على كلا الفهمين (الطبيعي) والإعجازي في ورودهم إلى مكة.

أما طبقاً للفهم الطبيعي الذي أعطيناه وهو أنه سوف يقع النداء في شهر رمضان وسيظهر الإمام المهدي(ع) ـ كما دلت الروايات ـ في اليوم العاشر من محرم الحرام ، فتكون المدة المتخللة ،وهي حوال أربعة أشهر ، فترة كافية للسفر الإعتياي إلى مكة لمقابلة الإمام (ع) ، من قبل أي شخص مشتاق إلى ذلك ، وسيمر موسم الحج خلال هذه الفترة ،وسيكون الذهاب من هذه الجهة مشروعاً تماماً للناس ، كما سيفوز الفرد المخلص بأداء فريضة الحج أولاً وبمقابلة الإمام المهدي (ع) ثانياً .

إن هذه الأطروحة هي مركز المشكلة بالنسبة إلى أهالي مكة ، فإن ما بين انتهاء فترة الحج واليوم العاشر من محرم أكثر من خمسة وعشرين يوماً .والمفروض أن الحجاج سيعودون أدراجهم بعد انتهاء موسم الحج مباشرة ،كما هو الحال في كل عام فما الذي حصل في أن تتخلف جماعة كبيرة بعد الحج زمناً طويلاً نسبياً ؟ وما هي مقاصدهم من هذاالتخلف .؟

إن هؤلاء(الخاصة) لا يمكنهم أن يصرحوا بهدفهم الحقيقي لأحد ، بل لعل أي واحد لا يستطيع أن يصرح للآخر منهم بذلك ، لعدم سابق معرفة بينهم أصلاً فضلاً عن التصريح به للشعب المكي أو للحكام .

إن غاية ما يستطيع الفرد منهم أن يعمله ، هو أن يأخذ إذناً بالإقامة لمدة شهر ، عسى أن يحصل الظهور خلاله ، فإن لم يحصل أخذوا  إذناً بالبقاء شهراً آخر .ولكن الظهور سوف لن يتأخر عنهم أكثر من شهر .

فهذه هي الصورة للفهم الطبيعي الذي أعطيناه .وسنعرف فيما بعد مدى صحة هذه الصورة وعدمها .

 

صفحة (287)