ومن تسلسل هذه الفكرة يمكن أن نفهم الوجه فيما دلت عليه بعض الروايات من أن من يسير في السحاب نهاراً أفضل من المفقود في فراشه ليلاً ، وذلك :لأننا فهمنا أن المفقود من فراشه ليلاً سيتخذ طريق البر طريقاً له ، على حين يتخذ الآخر طريق الجو.
وطريق الجو أسرع وصول، فطبقاً لإحتمال ظهور المهدي (ع) في اي لحظة ، يكون الوصول السريع بعد (النداء) أدل على الإخلاص والإيمان ،لأن فيه توفيراً للوقت الزائد على السفر البري ، واستعداداً للظهور بشكل أسرع .

كما يمكن ان نفهم معنى كون الفرد الذي يسير في السحاب نهاراً ،معروفاً بحليته واسمه واسم أبيه. فإن ذلك مما يضبط عادة في سجلات السفر في الدوائر المختصة ، وفي الدفتر الذي تزوده به ،وإلا فليس المفروض ان يعرفه كل الناس أو أغلبهم حتى لو سافر بالطريق الإعجازي إلا أن تكون المعرفة بالطريق الإعجازي أيضاً .

وليس في الروايات صراحة في أن المفقودين من فرشهم ،أعني من يسافرون أرضاً ، ليسوا معروفين .فإنهم لا محالة معروفون لجماعة من الناس ،كالآخرين ومزودون أيضاً بدفتر السفر الذي يحتوي على الصورة والإسم وأسم الأب وغير ذلك .

بقيت حول هذه الأطروحة الثانية (الطبيعية) بعض الإستفهامات ، ينبغي عرضها ونقدها ، لتستطيع هذه الأطروحة أن تقف تجاه الأطروحة الأولى (إعجازية) .

الإستفهام الأول : إن ظاهر عدد من الروايات ، أن الجميع يصلون سوية في صباح يوم واحد مشترك ، يكون ـ في الأكثر ـ هو اليوم الذي يحصل الظهور خلاله ،او في مسائه ، على ما في بعض الروايات ،وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالمفهوم  الإعجازي فكيف نوافق بينها وبين الأطروحة الثانية .؟!

وجوابه "إن كلا الإنطباعين وإن كانا يردان إلى الخيال عند استعراض الروايات ، إلا أن استظهارهما منها محل المناقشة .فإن الروايات قالت : "منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة " . وهذا صحيح بالنسبة إلى الفرد الواحد ، باعتبار سرعة الواسطة التي تحمله ،وأما إن كان كل الأفراد صلون في صباح يوم واحد، فهذا مما لا دليل عليه .

صفحة (273)
 

وأما بالنسبة إلى الإنطباع الآخر ،وهو أنهم يجتمعون في يوم الظهور ،دون الأيام السابقة عليه ، فكل ما سمعناه من الروايات أنها تقول :"فتصير شيعته من أطراف الأرض .حتى يبايعوه " أو تقول : "وقد وافاه ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فيبايعونه" وهي غير  دالة على ذلك كما هو واضح ...إذ يناسب أن يصلوا في يوم ، ويبايعونه في يوم آخر مهما كان هذا اليوم بعيداً .

الإستفهام الثاني : إن الأطروحة الأولى الإعجازية ، موافقة لقانون المعجزات .لأن مجيئهم الإعجازي السريع في وقت  ضيق نسبياً ، هو الأوفق بنجاحهم  في مهمتهم ، ومن ثم نجاح المهدي (ع) نفسه .فيكون المجيء الإعجازي دخيلاً في نجاح الدولة ـ العالمية العادلة نفسها ، فيكون قيام المعجزة ضرورياً لذلك ، لأنها بحسب قانونها تقوم حينما توقف عليها الهدف العادل وتطبق الهدى والحق .:الأمر الآن على ذلك .

وبذلك تترجح الأطروحة الأولى ، فكيف ولماذا نرجح الأطروحة الثانية؟

وجواب ذلك : إن قانون المعجزات دلنا على أن المعجزة إنما تقوم إذا انحصر طريق إقامة الحق والعدل بالمعجزة .واما إذا كان  هناك أسلوبان  كلاهما موصل إلى نفس النتيجة ، احدهما طبيعي ، والآخر :إعجازي. لم تحدث المعجزة ، بل أوكلت النتيجة إلى الأسلوب الطبيعي لإنتاجها ،وإن كان يستغرق وقتاً أكبر وجهداً أكثر، وقد استنتجنا من ذلك عدة نتائج في التاريخ السابق .

وقلنا هناك أن كل ظهور في الروايات أو غيرها ، يخالف هذا القانون ، ينبغي الإستغناء عنه وعدم الإعتماد عليه.

والحال بالنسبة إلى هؤلاء الخاصة كذلك، فإن الأطروحة (الطبيعية) لا قصور فيها عن انتاج النتيجة ، وهو مؤازرة المهدي (ع) ودعم حركته ، فإن المهم وجودها جميعاً حال إلقائه الخطبة ، التي هي أول لحظات الظهور ،وأما الذي لم يحدث لهم قبل ذلك ، فهذا لا يزيد ولا ينقص في الأمر شيئاً إذا احرزت حياتهم إلى ذلك الحين ،وسنعرف عدم تعرض أحد منهم للقتل.

فإذا كانت الأطروحة الطبيعية منتجة للمطلوب ، كانت هي المتعينة ضد الأطروحة الإعجازية ، لأن المعجزة لا تقوم مع إمكان الإنتاج بالطريق الطبيعي ، وكل ظهور في الروايات يقف ضد ذلك ،لا بد من الإستغناء عنه .

الجهة الخامسة : في جنسيات هؤلاء الثلاثمائة والثلاثة عشر ، بمعنى تعيين بلدانهم التي كانوا فيها قبل حضورهم إلى مكة ، أو اللغات التي ينتسبون إليها .

صفحة (274)
 

ويحسن بنا ،لاً ، أن نتذكر بعض العبارات التي تمت إلى ذلك من الروايات السابقة ، ونضيف إليها روايات أخرى ، لنعرف الموضوع بوضوح .

قالت الروايات : "فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه ...أتاه أبدال الشام  وعصائب أهل العراق".و" يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه" و" الرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة ، حتى يبلغ تسعة " و" أصحاب القائم ثلثمائة .و ثلاثة عشر رجلاً أولاد العجم ."

وأخرج النعماني(1) بسنده إلى أبان بن تغلب عن أبي عبد الله الصادق (ع) ، أنه قال:

سيبعث الله ثلثمائة وثلاثة عشر إلى مسجد بمكة ، يعلم أهل مكة أنهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم . الحديث .

وأخرج الشيخ(2) عن الفضل بن شادان بسنده عن جابر الجعفي :قال أبو جعفر(ع) :

يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمئة ونيف عدة أهل بدر .فيهم النجباء من أهل مصر .والأبدال من أهل الشام ،والأخيار من أهل العراق .... الحديث .

وأخرج السيوطي في الحاوي(3) عن الطبراني في الأوسط والحاكم عن ام سلمة قالت : قال رسول الله (ص) :

يبايع لرجل بين الركن والمقام عدة أهل بدر، فيأتيه عصائب أهل العراق وأبدال أهل الشام ... الحديث .

وفي حديث آخر(4):

الأبدال من الشام وعصب أهل المشرق . الحديث

 

صفحة (275)

ـــــــــــــــــ
(1) غيبة النعماني ص169.     (2) غيبة الشيخ الطوسي ص284.

(3) انظر ص129.              (4) ص137 منه.