يضاف إلى هؤلاء، عدد ضخم من الجيش لا يقل عن عشرة الآ فشخص في نواته الأولى عند مبدأ الحركة، ومن هنا قالت إحدى الروايات :"ما يخرج إلا في أولي قوة ، وما يكون أولو قوة أقل من عشرة الآف" فهي تنفي بصراحة أن يكون جيش المهدي منحصراً بالثلاثمائة وثلاثة عشر ، فإنهم وحدهم لا يشكلون قوة ولا يكونون كافين في تحقيق الهدف الكبير، وإنما هم يقومون بالقيادة والإشراف بالنسبة إلى غيرهم من الناس.

وسنعرف في مستقبل البحثأن عشرة آلاف جندي عدد كاف للمهدي (ع) في أول حركته ،وكلما تتسع حركته، فإن جشه يتسع وتتضح أهدافه وأسلحته وتتكاثر على ما سوف نرى.

الجهة الربعة : في كيفية وروده إلى مكة:

ونواجه حول ذلك أطروحتين محتملتين :

الأطروحة الأولى: أن هؤلاء الجماعة يصلون ألى مكة بشكل إعجازي ، يجعل وصولهم سريعاً جداً . وهذا هو ظاهر قسم من الروايات ويكاد ان يكون صريح روايات أخرى .

فهم " يجتمعون في ساعة واحدة ، كما تجتمع قزع الخريف " وهم " الفقداء" قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة "وهو قول الله عز وجل : أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً" والإستشهاد بالآية الكريمة في الأخبار بدفع الإستغراب الناتج من تجمعهم الإعجازي .

والصريح في ذلك ما صرح من الأخبار بأنهم يصلون عن طريق طي الأرض يعني اختصارها  بطريق إعجازي: ففي خبر ابن الصباغ :

فيصير إليه أنصاره من أطراف الأرض تطوى لهم طياً ، حتى يبايعوه"

وفي خبر الطبرسي : " فتصير شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طياً ، حتى يبايعوه"

بل أن ظاهر عدد من الروايات أن المعجزة تتحكم في سرعة وصول الفرد تبعاً لمقدار إخلاصه . فكلما كان إخلاصه أعمق اوصله الله تعالى بشكل أسرع ، فمن هنا سيكون هؤلاء على عدة أقسام :


صفحة (270)
 

القسم ألأول: "من كان ابتلى بالمسير" وهو السفر الأرضي .وظاهر سياق الرواية أنه أردأ  الأقسام ، بالرغم من أهميته .فلم يوفق إلى الوصول الإعجازي ،

القسم الثاني: "المفقودون من فرشهم"  يكون الفرد مستلقياً وهو نائم على فراشه ، فيوافيه في مكة على غير ميعاد " وظاهر السياق العام :أنهم هم الذين تطوى لهم الأرض . وبذلك فهم افضل من القسم الأول .

القسم الثالث :" الذي يسير في السحاب نهاراً" وهو "يعرف بإسمه واسم أبيه ونسبه وحليته". وهم الأسرع وصولاً والأعظم إعجازاً ... فيكون الأفضل من الثلاثة .

وظاهر هذه الروايات أن القسمين الأخيرين لا يكونان إلا من الثلاثمائة والثلاثة عشر من الخاصة .ولكن لا ظهور على انهم جميعاً يصلون بالمعجزة بل قد يكون منهم من يكون من القسم الأول ، فيبتلى بالمسير .هذا ، فضلاً عن غيرهم الذين هم أقل إخلاصاً ، فإن وصولهم عن طريق المعجزة غير محتمل .

الأطروحة الثانية :أنهم يصلون إلى مكة بطريق السفر الإعتيادي ،وقد سبق أن سمعنا كيف يحدث ذلك في وقت واسع وبأسلوب طبيعي غير ملفت للنظر .

حيث سمعنا أنه ينادى باسم المهدي (ع) في شهر رمضان ، ويكون موعد ظهوره في العاشر من محرم الحرام وسيمر خلال هذه الفترة موسم الحج في ذي الحجة الحرام.

وحيث يعلم المخلصون الممحصون حصول الظهور بمكة ، كما يعلمون بانفصال وقت الظهور عن وقت النداء زماناً ليس بالكثير .إذن فسوف يسافر إلى الحج في ذلك العام كل راغب بلقاء الإمام المهدي (ع) مع سائر الحجاج. وبعد انتهاء موسم الحج سيختلف هؤلاء في الحجاز ، أو في مكة على التعيين ، بدافع من رغبتهم الملحة في حدوثه وسيبقون هناك حتى يحصل الظهور في محرم الحرام.

وبهذا نفهم كيف يحضر الفرد من بلاده البعيدة ، بالرغم من أنه لا يعلم بنفسه أنه من المخلصين الممحصين الكاملين كما سبق من ان الفرد لا يعلم انطباق نتجة التخطيط عليه ، غير أنه يبقى في مكة انطلاقاً من إيمانه وأشواقه ، لا نتيجة لمعرفته بحقيقة نفسه .

وبذلك تتم معرفة : كيف ان الله يجمعهم  من البلاد المتباعدة " قزعاً كقزع الخريف" أي قطعاً كقطع السحاب حين تجتمع في السماء "على غير ميعاد" لا يعرف بعضهم بعضاً ، ولا يعرف أي واحد منهم بمقصود الآخر ،وربما لا يستطيع أن يسأله عن مقصوده أو أن يخبره بذات نفسه .إلا أن جميعهم في الواقع ، منتظرون للظهور مؤيدون له بكل ما لديهم من نفس ونفيس .


صفحة (271)
 

فإذا ظهر قائدهم ،كانوا هم أول سامع لخطابه وأول مدافع عنه ، و أول مبايع له .

وهم من قبائل مختلفة ،ومن بلدان شتى ، لا تجمعهم جنسية ولانسب ولا قبيلة .

إنما يكون من كل قبيلة "الرجل والرجلان والثلاثة .حتى يبلغ تسعة" وهكذا الحق ينطبع على أفراد قلائل على غير تعيين ، بحسب ما للفرد من قابليات وثقافة لا بحسب جنسيته أو لغته أو نسبه .

وهم يجتمعون في ساعة واحدة ، لا باعتبار أن الطريق إلى مكة يستوعب ساعة واحدة . فقط ،بطي الأرض الإعجازي .فإن المعجزة لا تستغرق أكثرمن دقائق ولا تحتاج إلى ساعة .وإنما بمعنى :أن وقت اجتماعهم متوافق في ساعة واحدة يكونون كلهم في المسجد الحرام سوية ، ساعة إلقاء المهدي (ع) خطبته ..بغض النظر عن كيفية وصولهم تماماً .

وأما انهم "يفقدون من فرشهم" فباعتبار خروجهم خلسة عن أهلهم وذويهم المنحرفين الكارهين للسفر إلى الحق ،سواء كان إلى الحج أو إلى المهدي (ع) .

وأما السير في السحاب نهاراً فهو السفر بطريق الجو إلى مكة .وهو أيضاً بدوره اسلوب معتاد وطبيعي في الوصول إلى مكة .

ولعمري أن هذه الأمور كانت حال صدور هذه الأخبار ،وحال تسجيلها في مصادرها الأولى ، أموراً على مستوى المعجزات ، إلا أن العصر الحديث عصر السرعة حقق ذلك ورفع الإستغراب عنه ، نعم ، بقي الإعجاز في حصول الأخبار عن هذه الأمور وتسجيلها في المصادر قبل حدوثها بمئات السنين . ولم يكن قانون " كلم الناس على قدر عقولهم" ليسمح بالتصريح بهذه الحقائق في ذلك العصر من قواد الإسلام الأوائل، بغير هذا الأسلوب.

ونفس الشيء نستطيع أن نفهمه من (طي الأرض) ، فإن الإنطباع العام عنه وإن كان هو الإعجاز حتى يكون نصاً فيه بحسب الذوق العام ...إلا اننا يمكن أن نفهم منه _ في كل مورد نسمعه  في السنة الشريفة _ معنى رمزياً لسرعة الإنتقال بالوسائط الحديثة ، أو ما كان على غرارها في أي عصر ماض أو مستقبل .بإعتبار أن التصريح بحقيقة الأمر لم يكن مناسباً مع فهم السامعين الموجودين في عصر صدور هذه الأخبار .

صفحة (272)