ومن هنا نطقت الروايات التي سمعناها وغيرها ، بمدحهم والثناء عليهم ، فهم "رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته" وهم "رهبان بالليل ليوث بالنهار" وهم " خير فوارس على ظهر الأرض ، أو من خير فوارس على ظهر الأرض" وهم أيضاً  " أبدال الشام وعصائب أهل العراق" و "النجباء من مصر" . كل ذلك باعتبار  أهميتهم  التي اكتسبوها من التخطيط العام السابق على الظهور .

وأما أهميتهم: بإعتبار ما سيشاركون به تحت إمرة القائد المهدي (ع) من غزو العالم بالعدل وإقامة الدولة العالمية العادلة ، وممارسة الحكم في مناطق الأرض المختلفة ، كما سيأتي ...فحدّث عن هذه الأهمية ولا حرج ، فإنه الهدف الذي وجدوا من أجله وكرس التخطيط العام السابق من اجل تنمية قابلياتهم عليه .

الجهة الثالثة : في عددهم .

نصت الروايات ، بشكل مستفيض يكاد أن يكون متواتراً ، أن عددهم بمقدار جيش النبي (ص) في غزوة بدر : ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً(1)، كما وردت روايات سمعناها تنص على أن اصحابه لا يقلون عن عشرة آلاف رجل .فإنه (ع) :

" ما يخرج إلا في أولي قوة وما يكون أولو قوة أقل من عشرة آلاف "

كما نصت على ذلك الروايات .

والسر في ذلك يعود إلى اختلاف درجات الإخلاص التي قسمناها إلى أربعة في التاريخ السابق(2) .ينتجها التخطيط العام السابق على الظهور. ولا حاجة إلى تكراراها الآن ، وإنما المهم أنها تنتج بصددنا هذا عدة نتائج :

النتيجة الأولى: اختلاف عدد الناجحين في كل درجة . ولضوح أن درجات الإخلاص كلما ارتفعت ، تطلبت قابليات أوسع وثقافة أعمق لإحراز النجاح .ومن المعلوم ان الأفراد الأكثر قابلية والأوسع ثقافة أقل في العالم ممن هم دونهم ... وهكذا .


صفحة (267)

ـــــــــــــــــ

(1) قال ابن الأثير في الكامل (ج2ص82) خلال حديثه عن غزوة بدر الكبرى :وكان مسير رسول الله (ص) لثلاث خلون من شهر رمضان ، في ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً وقيل أربعة عشر، وقيل بضعة عشر رجلاً ، وقيل ثمانية عشر .الخ كلامه ، فقد اختار هو العدد الذي نصت عليه الروايات واعتبرته امراً مسلماً ، وربما كان مشهوراً بين المسلمين لفترة  طويلة من صدر الإسلام .

وفي سيرة ابن هشام (ج2ص274) جاء في تقدير أحد أفراد الجيش المعادي لجيش رسول الله (ص) :إنهم ثلاث مئة رجل  يزيدون قليلاً أو ينقصون .أقول :هذا الرقم التقريبي يناسب مع الرقم المطلوب ، لأنهم عنئذ يزيدون على الثلثمائة بقليل.

(2) ص248وما بعدها .

 

 ومن هنا كان الناجحون من الدرجة الأولى أقل منهم في الدرجة الثانية .وهم أقل منهم في الدرجة الثالثة. وكلما قلت درجة الإخلاص زاد عدد القواعد الشعبية المتصفة به .

وقد دلتنا هذه الروايات على ان المخلصين الممحصين من الدرجة  الأولى ، منحصرون في ذلك الجيل الذي يظهر فيه الإمام المهدي (ع ) بثلثمائة وثلاثة عشرة رجلاً ، على أن الناجحين الممحصين من الدرجة الثانية، لا يقلون عن عشرة الآف شخص في العالم ، إن لم يكونوا أكثر .

فهذا هو السبب في اختلاف العدد الذي نطقت به هذه الأخبار ، وستأتي في النتائج الآتية إيضاحات أكثر .

النتيجة الثانية: سرعة التحاقهم بالمهدي(ع) ووصوله إليه ... فالثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً يكونون حاضرين في المسجد  الحرام في مكة ، حين خطاب المهدي (ع) وبيعته الأولى .على حين أن الباقين يتواردون إلى مكة بعد ذلك خلال الأيام القليلة القادمة . ومن هنا دلت الروايات التي سمعناها : أن الإمام المهدي (ع) ينتظر في مكة حتى يتكامل لديه عشرة الآف رجل.

النتيجة الثالثة : سرعة إيمانهم بالمهدي (ع) وسرعة مبايعتهم له . إذ من المعلوم أن الفرد كلما كان أعمق إيماناً وأوسع ثقافة يستطيع أن يفهم قول الحق ويشخص القائد الحق ، بشكل اعمق وأسرع. ومن هنا سيكون هؤلاء هم الرواد الأوائل إلى مبايعة الإمام المهدي (ع) بعد جبرائيل (ع) ، ولربما كان جملة منهم يعرفونه في عصر غيبته ، كما اسلفنا ، فلا يحتاجون معه إلى أية حجة أو معجزة .

النتيجة الرابعة : ان هؤلاء سيكونون أول من يدافع عنه ، وذلك باعتبار ما دلت عليه بعض الروايات .

أخرج المجلسي في البحار(1) بالإسناد عن علي بن الحسين (ع) في ذكر القائم (ع) – يقول فيما قال -: فيقوم هو بنفسه فيقول : أنا فلان بن  فلان ، أنا بن نبي الله ، ادعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله . فيقومون إليه ليقتلوه .فيقوم ثلاثمائة أو نيف على الثلثمائة ، فيمنعونه منه .... الحديث .


صفحة (268)

ـــــــــــــــــ

(1) ج13ص179 وما بعدها .

 

فبينما كان (النفس الزكية) حين يلقي خطابه بين الركن والمقام ، رجلاً أعزل ليس له مدافع ، فيثورون عليه فيقتلوه .نجد أن المهدي (ع) يقف في نفس الموضع بعد عدة أيام ، فيخطب ، فيثورون عليه ليقتلوه ـ طبقاً لهذه الرواية ـ لأن المنحرفين يكرهون هذا الإتجاه الذي يمثله الحق على كل حال .

غير أن الله تعالى يكون قد رصد للإمام المهدي (ع) من يحميه ويدافع عنه ويضحي من أجله. وهم هؤلاء الرادة الأوائل للثورة العالمية الجديدة .

غير أنه من الملاحظ أن هذه الرواية وحدها ،لاتكفي للإثبات التاريخي غير ان طبائع الأشياء تقتضي صحة حدوث محاولة القتل هذه ، والله العالم .

النتيجة الخامسة: اختلاف اصحاب الإمام المهدي (ع) في الوظائف والأعمال التي توكل إليهم ،نتيجة لإختلاف درجاتهم في الإخلاص .

فإن هؤلاء الممحصين الكاملين ، سوف يكونون في  جيش المهدي (ع) "هم أصحاب الرايات" يعني القواد و رؤساء الفرق ، بالإصطلاح الحديث .على حين يكون الممحصون من الدرجة الثانية عامة جيشه الفاتح للعالم بالعدل .

وبعد أن يستتب الحكم العادل للمهدي (ع) على البسيطة ، سيكون هؤلاء الخاصة حكاماً في العالم موزعين على مجموع الكرة الأرضية ،كما سيأتي مفصلاً ، على حين لن يكون للمحصين من الدرجة الثانية هذه المنزلة ، بل يتكفلون أموراً إدارية أدنى من ذلك .

النتيجة السادسة : أننا نفهم من مجموع الروايات : أن العدد الكافي لغزو العالم بالعدل ، الذي أنتجه التخطيط العام السابق على الظهور .والذي كان هو الشرط الأخير من شرائط الظهور وإيجاد اليوم الموعود ... ليس العدد الكافي هو وجود ثلاثمائة وثلاثة عشر جندياً ،كما قد يتخيل الناس من هذه الروايات وتذهب إليه بعض الأفهام الكلاسيكية ، إذ يفهمون حصر أصحاب المهدي (ع) بهذا العدد .

وإنما العدد الكافي لغزو العالم ، يتمثل في مثل هذا العدد من القواد  ، والحصرفي حقيقته ـ لو كان مستفاداً من الروايات ـ منصب على ذلك ، بقرينة ما عرفناه ونعرفه من الروايات الأخرى الدالة على كونهم قواداً و حكاماً .


صفحة (269)