غير انه تبقى بعض الإستفهامات عن هذه الأمور التي يفرضها المهدي(ع) على نفسه ينبغي عرضها ونقدها . الإستفهام الأول: أن ما يشترطه المهدي (ع) على أصحابه ، يعبرعن تكاليف عامة على المسلمين ، يكون مشمولا لها أيضاً ، فلماذا لم يشترطها على نفسه؟ في حين نجد أن ما اشترطه على اصحابه أكثر بكثير مما اشترطه على نفسه فلو كانت زيادة الأحكام تدور مدار عمق الإيمان والإخلاص ، لكان الأنسب هو العكس ، لأن المهدي (ع ) أعمق إيماناً وإخلاصاً من أصحابه بطبيعة الحال .

وجواب ذلك ينبغي أن يكون واضحاً للقارىء اللبيب...إذ لا معنى لشمول كل الأحكام لشخص الإمام المهدي (ع). إذ من الأحكام ما يقول بوجوب إطاعة الحاكم المتمثل يومئذ بالمهدي (ع) نفسه وكما من الأحكام ما يكون تربوياً للمراتب الواطئة نسبياً من الناس ، والمفروض بالمهدي (ع) أنه أعلى من هذه المراتب بكثير. فلا معنى لشمول امثال هذه الأحكام له .

هذا ، ولكن غالب الأحكام شاملة له ، غير أن تطبيقها من قبله واضح ومفروض ، لا يحتاج إلى اشتراط ـ فيكون اشتراطها عليه امراً مستأنفاً لا معنى له . كيف وهو الذي سيأخذ بزمام المبادرة لإشتراطها على أصحابه ، فكيف لا يلتزم هو شخصياً بها ، وإنما يتم هذا الإشتراط بالنسبة إلى المراتب الإيمانية التي يكون هذا الإشتراط في مصلحة تربيتها.

على حين أن كمال الإمام المهدي (ع) أعلى من هذا المستوى بكثير.

ففي لب الحقيقة أن ما يشترطه المهدي على نفسه وما يشترطه على اصحابه معاً ومكلف هو بها ، غير أن تلك الأمور لا تحاج إلى اشتراط.

وإنما، يخص المهدي (ع) نفسه باشتراط الأمور التي تخص القائد العادل في الإسلام ومضافاً إلى مهمته الخاصة التي كان مذخوراً من أجلها ،وهي : أن يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً .

وهو وإن كان عالماً بهذه الأمور ، عازماً على تطبيقها ، إلا أن الإعراب عنها أمام أإصحابه ، وخلال البيعة ، تنوير لهم عن وظيفته وتحديد لتوقعاتهم منه ، و بالتالي فهو إعلان مختصر عن المنهج الذي سوف يتبعه في المستقبل ... شأن البيان الوزاري الذي تعلنه الدول الحالية عند مجيء الوزارة الجديدة إلى الحكم.

 

صفحة (257)


الإستفهام الثاني: إن المهدي (ع) يأخذ فيما يأخذ على نفسه وأن يكون من حيث يريدون .ومن المعلوم بضرورة الدين، أن التطبيقات الإسلامية لا تكون بمشيئة الناس ، وإنما تكون بإرادة الله وتشريعه ، ومقتضيات العدل الكامل والمصالح العامة، والمهدي (ع) هو المطبق لذلك لا لما يريده الآخرون ، فكيف يشترط ذلك على نفسه.

والحق، أننا لو فهمنا من هذا الشرط كون الإمام المهدي (ع) يكون طوع إرادة أصحابه في التشريع والتطبيق ، لكان هذا الشرط باطلاً لا محالة .غير أن هذا نفسه سيكون قرينة لنا على أن نفهم هذا الشرط بأسلوب آخر .

ويتم ذلك من خلال وجوه غير متنافية ، فقد تصدق جميعاً أو أكثر من واحد منها .

الوجه الأول: أن أصحابه إنما يريدون العدل العالمي المطلق ،وأن تمتلىء الأرض قسطاً وعدلاً ...فإذا كان المهدي (ع) (من حيث يريدون) عنى ذلك تطبيقه للعدل المذخور من أجله ...

الوجه الثاني :إن في هذا الشرط إشارة إلى الأمور التي تكون موكولة (فقهياً) إلى رغبة المجتمع في الدولة الإسلامية ... كتأسيس المؤسسات ،والحصول على مقادير من الأرض أو الإشتغال في الوظائف العامة ...ونحوها ، فيكون معنى كون الإمام المهدي(ع) حيث يريدون ، أنه (ع) يرضى لهم بذلك ويمضي لهم هذه الحاجات ، في حدود ما لا يكون مخلاً بالعدل والمصلحة العامة .

الوجه الثالث: إن المهدي (ع) لا يقضي فقط هذه الحاجات ، بل يقضي لأصحابه ولكل المؤمنين جميع ما يريدون من حوائجهم الشخصية ،وهذا ما سوف يحدث فعلاً في نظامه العادل ، كما سو فنعرف طرفاً مهماً منه .خلال الحديث عن نظام الدولة العالمية المهدوية .

 الجهة السابعة :من هذا الفصل ، في التعرض إلى نقطة معينة وردت في الأخبار ، يحسن بنا الإلمام بها ،أعني أسلوب السلام عليه خلال بيعته وبعد ذلك ايضاً .

أخرج ابن الصباغ في الفصول المهمة(1) عن أبي جعفر (ع)  ـ في حديث ـ يقول فيه :فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ...


صفحة (258)

ـــــــــــــــــ  

(1) ص322

 

فأول ما ينطق هذه الآية : بقية الأله خير لكم إن كنتم مؤمنين .ثم يقول :أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم .فلا يسلم عليه إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في الأرض .. الحديث .

وفي منتخب الأثر(1) نقلاً عن اكمال الدين للصدوق انه روى أن التسليم على القائم أن يقال :

السلام عليك يا بقية الله في أرضه .

وفي إكمال الدين نفسه(2) بسنده عن محمد بن مسلم الثقفي ، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر يقول :

القائم منا منصور الرعب مؤيد بالنصر ...إلى أن قال: فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ...الخ الحديث كما سمعناه عن الفصول المهمة .

وقال الشلبنجي في نور الإبصار(3): وهذه علامات قيام القائم مروية عن أبي جعفر رضي الله عنه ، قال : إذا تشبه الرجال بالنساء ..

وساق الخبر إلى قوله فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ...الخ الحديث كما سمعناه عن الفصول المهمة .

وفي منتخب الأثر(4) عن غيبة الشيخ بإسناده عن جابر عن أبي جعفر(ع) قال :

من أدرك منكم قائمنا ، فليقل حين يراه : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة .

وأخرج الشيخ الحر في الوسائل (5) بإسناده عن عمر بن زاهر عن أبي عبد الله (ع) قال: سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا ، ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمينن ،  لم يسم به أحد قبله ولا يسمي به أحد بعده إلا كافر. قلت : جعلت فداك ، كيف يسلم عليه .قال : تقول : السلام عليك يا بقية الله في أرضه .ثم قرأ: بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين .


صفحة (259)

ـــــــــــــــــ  

(1) ص517.   (2) انظر المصدر المخطوط.

(3) ص171-172، ونقله عنه في منخب الأثرص435 وما بعدها.

(4) ص517.   (5) وسائل الشيعة ، كتاب المزار من كتاب الحج ج2 ص468.

 

قال الشيخ الحر: والأحاديث في ذلك كثيرة  لكن ورد لها معارضات غير صريحة في الزيارة ، فالأحوط الترك .

وفي بعض الروايات التي لم يحضرني مصدرها ما مضمونه :أن المهدي (ع) إذا ظهر لم يلقب بأمير المؤمنين، فإنه لقب خاص بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، بل يقال له : السلام عليك يا بقية الله في أرضه .

والمراد من هذا اللقب: كون المهدي (ع) هو الباقي من خط الأنبياء والأولياء والصالحين الذين مهدوا لوجوده وضحوا من أجل تطبيق عدله ، فأصبح هو النتيجة الطبيعية الكبرى لجهودهم والقيمة العالية لأقوالهم وأعمالهم. فالمراد من (بقية الله) كونه (ع) بقية أنبياء الله ورسله عليهم السلام .

وإنما نسبت البقية إلى الله مباشرة باعتبار كون هذا الخط المقدس على طوله خط ممثل لعدل الله ودعوته الحقة ، وهو ـ عز وجل ـ مؤسسه ومخططه من أجل تربية البشرية والسير بها نحو الكمال .

وأما نسبتها إلى(أرض الله) حين يقال : بقية الله في أرضه ، فباعتبار تأسيسه (ع) للدولة العالمية العادلة على مجموع الكرة الأرضية .ومن المعلوم أن (أرض الله) هي كل الكرة الأرضية ، لا يستثني منها أي منطقة أو مجتمع ،كما أنه (ع) في عصره هو القائد الإلهي الوحيد الموجود في مجموع هذه الأرض .


صفحة (260)