|
|||||
|
أتي جبرائيل (ع) إلى رسول الله (ص) يعوده .فقال : السلام عليك يا محمد .هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدنيا. وعن عطاء بن يسار أن رسول الله (ص) ، لما حضر أتاه جبرائيل ، فقال : يا محمد الآن اصعد إلى السماء ، ولا أنزل الأرض أبداً .وعن أبي جعفر(ع) قال: لما حضرت النبي (ص) الوفاة .إلى أن قال : فعند ذلك قال جبريل : يامحمد ، هذا آخر هبوطي إلى الدنيا ، إنما كنت أنت حاجتي فيها . والجواب على ذلك ، يكون من عدة وجوه ، نذكر منها : الوجه الأول : أن هذه الروايات النافية لنزول جبرائيل(ع) مقيدة ـ في حقيقتها ـ بقيد خفي غير مصرح به ، وهو عدم تعلق الأمر الإلهي أو المصلحة العامة أو رغبة رسول الله (ص) بذلك ، فإن حصل شيء من ذلك ، فإني سأنزل إلى الدنيا . ومن المعلوم أن الروايات الدالة على نزوله مع المهدي (ع) تدل على حصول شيء من ذلك ، أو كله ، فإن شأن المهدي (ع) بصفته المطبق الأكبر للهدف الأعلى من التخطيط العام ، يناسب ذلك . ووجود مثل هذا القيد الخفي الضمني في مضمون الكلام واضح لا يحتاج إلى استدلال غير ان قوله في إحدى هذه الروايات :ولا أنزل إلى الأرض ابداً ، ينافي فكرة هذا التقييد ، فإنها تدل ـ على الأقل ـ بأن شيئاً من ذلك سوف لن يحدث ومن ثم لن ينزل جبرائيل (ع) إلى الأرض ابداً ، غير ان هذه رواية واحدة يمكن التجاوز عنها بدلالة الروايات السابقة الدالى على نزوله في مناسبات أخرى بعد وفاة النبي (ص) إلى نهاية البشرية ، تكون نافية لمدلول هذه الرواية . الوجه الثاني : هناك في هذه الروايات ما يدل على ما يشبه التقييد المشار إليه .وهو قوله :إنما كنت أنت حاجتي فيها .فإنه دال على أن نزوله كان من أجل رسول الله (ص) وتنفيذ مصالحه العامة ورغباته الحكيمة. فإذا علمنا أن رسول الله (ص) ، نفسه يرغب بتأييد المهدي(ع) ويدرك مصلحة وجوده وهدفه العام كما بشر به مراراً وتكراراً خلال حياته ، كما دلتنا على ذلك الأخبار المتواترة .إذن فسيكون نزول جبرائيل (ع) مع المهدي (ع) مطابقاً لرغبة النبي(ص) فإذا كان ينزل في زمن النبي (ص) من أجل رغبته ، فأحرى به أن ينزل مع المهدي (ع) من أجل ذلك أيضاً .
صفحة (251) ـــــــــــــــــ (1) ص18-19 من ج1.
الوجه الثالث: أننا يمكن أن نقيد الأخبار النافية لنزول جبرائيل (ع) بالهدف الذي كان ينزل لأجله يومئذ . وهو تبليغ الوحي إلى النبي (ص) .فكأنه قال : لن أنزل إلى الأرض من أجل تبليغ الوحي . وهذا أمر صحيح ولن يحدث أبداً لأن نزوله مع المهدي (ع) لن يكون من أجل تبليغ الوحي، بطبيعة الحال. وهذا التقييد وإن كان مخالفاً لظاهر هذه الأخبار ، إلا أنه موافق مع طبيعة مهمة جبرائيل مع النبي (ص)... كما أن أخبار نزوله مع المهدي (ع) توجل الإلتزام بهذا التقييد ، بغض النظر عن الوجهين السابقيين . الوجه الرابع : أننا لو تجاوزنا عن الوجوه الاسبقة .فوقع التنافي التام بين الأخبار النافية لنزول جبرائيل (ع) والأخبار المثبة له .أمكننا بسهولة إسقاط الأخبار النافية لنزوله ، بأحد أسلوبين : الأسلوب الأول : تقديم الأخبار القائلة بنزول جبرائيل مع المهدي (ع) باعتبارها أكثر عددا ً وأصح سنداً .أما عدداً ، فهو واضح لمن راجع المصادر وأما سنداً فلأن الأخبار الثلاثة النافية كلها مرسلة لم يذكر الأربلي لها سنداً . نعم ، واحدة منها رويت مرسلة عن عطاء بن يسار ، فأصبح هو الراوي الوحيد المعروف من سلسلة الرواة، والباقي كلهم مجاهيل ...وهو غير كاف في تصحيح الرواية .فكيف بالروايتين الأخيرتين اللتين لم يذكرها ولا راو واحد. هذا ، بخلاف روايات نزول جبرائيل (ع) مع المهدي (ع) فإنها جميعاً مسندة في مصادرها معروفة الرواة . الأسلوب الثاني :معارضة الأخبار النافية ، بكل ما يدل على نزول جبرائيل (ع) بعدالنبي(ص) إلى نهاية البشرية . وقد سمعنا هذا الأسلوب في الوجه الخصوص رواية :لا أنزل إلى الأرض أبداً .ولكن بعد التنزل عن الوجوه السابقة يكون هذا أسلوباً في معرضة كل الأخبار الثلاثة النافية .وهي أكثر عدداً منها .بحيث يكون مجموعها مستفيضاً ، فلا يبقى لهذه الأخبار الثلاثة بإزائها أي إثبات .
صفحة (252)
فإن هناك من الأخبار ما يدل على نزول جبرائيل (ع) في زمن الأئمة المعصومين (ع) عدة مرات ،كنزوله عند ثورة الحسين بن علي (ع) وعند ميلاد الإمام المهدي (ع) ومناسبات أخرى .وكنا أود أن أورد عدة أخبار منها ، لولا أنه يخرج بنا عن الصدد. وعلى أي حال، فقد سقطت الأخبار النافية لنزول جبرائيل (ع) بعد وفاة النبي (ص) عن قابلية الإثبات التاريخي النقطة الرابعة : ـ من الحديث عن البيعة ـ : ورد في مضمون البيعة ،كما سمعنا في الأخبارـ شكلان من الغرض ، كلاهما موافق للقواعد الإسلامية العامة . الشكل الأول : إن المهدي (ع) يبايع أصحابه على كتاب جديد وأمر جديد وسلطان جديد . وهذا في حقيقته ـ يمثل مستوى الوعي الإسلامي الجديد الذي لم يكن معروفاً قبل الظهور. على ما سوف نبرهن عليه في مستقبل البحث . ويمكن أن نفهم من المبايعة على ذلك ، أحد ثلاث معان : المعنى الأول : وهو الظاهر المباشرمن اللفظ ، وهو أن يقول المهدي (ع) حال المبايعة : أبايعكم وتبايعونني على كتاب جديد وسلطان جديد . غير أن المعنى لا يخلو من بعد ، بإزاء المعاني الآتية ، من حيث : إن الكتاب الجديد والسلطان الجديد من الألفاظ غير المفهومة للجمهور الحاضر يومئذ ، وإنما يتضح معناه وتطبيقاته بعد ذلك من خلال عمل المهدي (ع) في دولته ،ومن المعلوم :إن المبايعة على امور غير مفهومة مخالفة للمصلحة ، مع وجود مفاهيم كثيرة واضحة ودافعة إلى الفداء أكثر من هذه الأمور . المعنى الثاني لمبايعته على ذلك :إن نتيجة المبايعة هو العمل الجاد لإنجاز العدل وتطبيقه في العالم كله . الأمر الذي سيصبح أمراً جديداً وسلطاناً جديداً ويتضمن كتاباً جديداً ،كما سيأتي .فالمبايعة على ذلك يعني إنتاجها لذلك في المدى البعيد . وهذا المعنى محتمل في التصور ، إلا أنه مخالف لظاهر هذا الأخبار وأبعد مفهوماً من المعنى الثالث الآتي ، كما هو غير خفي عند المقارنة . المعنى الثالث : إن المهدي (ع) يبايع أصحابه على شروط معينة بتفاصلها ،وهذه التفاصيل تمثل ـ في واقعها ـ الكتاب ـ والسلطان والأمر الجديد . فالكتاب الجديد والأمر الجديد ، لا يذكره المهدي (ع) بصراحة ليكون مجهول المعنى للجمهور، طبقاً للمعنى الأول .كماأنه لا يهمل الإشتراط تماماً إتكالاً على النتائج ، طبقاً للمعنى الثاني .بل بذكره عدة أمور في البيعة ، تكون هي الكتاب الجديد والأمر الجديد ، في الواقع .
|
||||
|
|||||