وقد يخطر في الذهن : أن هناك فائدة أخرى لمبايعة جبرائيل (ع) للمهدي (ع) .

وهي المشاركة في الدليل على صدق المهدي وأحقية دعوته .

وهذا يصح بالنسبة إلى من يعرف جبرئيل (ع) حال قيامه بالمبايعة أو بعدها بدقائق ، فإنه يكون من الأدلة العظيمة على صدق المهدي (ع) إلى جنب الخسف والحسوف والكسوف وقتل النفس الزكية ومضمون خطبته وغيرها من الأدلة ، غير ان هذا مما يصعب تحقيقه هناك كما قلنا .

وأما التعرف على حقيقته بعد ذلك ، فإنما يكون بإخبار المهدي (ع) وخاصته ، بعد قيام البرهان وإتمام الحجة على صدقه ، فيصلح دعماً لحركة المهدي (ع) ولا يصلح أن يكون دليلاً عليها .

وهناك بعض الإستفهامات عن مبايعة جبرايئل سنذكرها في النقاط الآتية :

القسم الثاني : ممن يبايع الإمام المهدي (ع) في موقفه الأول :

اصحابه الخاصون الذين كانوا يعرفونه على حقيقته في غيبته الكبرى ، فإننا سبق في تاريخ الغيبة الكبرى أن قلنا :أن هناك نفر قليل من البشرية في كل جيل ، يمكن أن يكون مطلعاً على حقيقة المهدي (ع) ومكانه . وهناك من الروايات ما يدل على وجود مثل هؤلاء الأفراد وقد سبق أن رويناها هناك(1).

وبالطبع سيكون هؤلاء ، مع سائر المخلصين الممحصين الناتجين عن التخطيط الإلهي العام ، حاضرون خطاب المهدي(ع) في المسجد الحرام ، وقد يكونون على موعد خاص سابق بهذا الإجتماع . ولا يحتاجون في التعرف على شخص الإمام المهدي إلى أي إثبات .

ومعه فسوف يكونون هم الأوائل من المبادرين إلى البيعة بعد جبرائيل والمدافعين عنه عندما يحاول المنحرفون قتله ، عند سماعهم الخطبة ، كما دلت عليه رواية مما نقلناه عن المجلسي في البحار، خلال أخبار الخطبة ، بل سيكونون اللسان الناطق في إيضاح ما ينبغي إيضاحه في هذه الساعة الأولى .

القسم الثالث : ممن يبايع الإمام المهدي(ع) :

سائر المخلصين الذين كانوا في مكة ، وقد انتظروا الظهور بفارغ الصبر.

وسنتعرض لكيفية اجتماعهم وسائراوصافهم في الفصل الآتي .


صفحة (248)

ـــــــــــــــــ  

(1) انظر ص74منه وغيرها .

 

وسيشارك هؤلاء بنفس مهام القسم الثاني ، مع فرق انهم لم يكونوا  قد شاهدوا المهدي خلال العصر السابق... الأمر الذي يجعل الفكرة في أذهان القسم الثاني أوضح منها في أذهان هؤلاء في هذه الساعة الأولى ،وسيكون ما يشاهدونه وما يسمعونه في موقفهم ذلك كافياً في الإيضاح.

القسم الرابع : أفراد آخرون يشهدون الموقف . فتحصل لهم القناعة التامة ، فيأتون لمبايعة المهدي خاضعين. وهم عادة يمثلون الدرجة الثانية والثالثة من درجات الإخلاص الأربعة التي سبق أن سمعنا عنها .

النقطة الثالثة: في عرض بعض الإستفهامات  عن مبايعة جبرائيل(ع)  للمهدي(ع) ينبغي عرضها ، قبل العبور إلى خصائص أخرى من البيعة .

الإستفهام الأول : إن جبرائيل (ع) أفضل من المهدي في درجات الكمال الإلهي ، فكيف يخضع للمهدي (ع) بالمبايعة ؟...

وهذا الإستفهام يحتوي على عدة أجوبة ، نذكر منها اثنان :

الوجه الأول : إنه لا دليل على أن جبرائيل أفضل من الإمام المهدي(ع) .بل لعل الدليل قائم على العكس ، باعتبار أن الإنسان الصالح المتكامل في صلاحه ، أفضل من الملائكة  .لأن الملائكة ليس لهم نفس القيمة الخلقية في إطاعة الله تعالى كالفرد الصالح ، بل إن ميزان هذه القيمة في الفرد الصالح أرحج بكل تأكيد .لأن الملائكة إما أنهم لا يملكون الإختيار أصلاً ، بل هم مجبورون على أفعالهم من قبل باريهم جل وعلا ، أو هم على الأرجح مختارون ولكنهم يجدون الطاعة موافقة لهواهم ومنسجمة مع ميولهم .بخلاف الفرد الصالح فإنه مختار في طاعته ، ويجد في الطاعة مصاعب نفسية واجتماعية عديدة ،وهو مع ذلك جاد فيها مثابر عليها . ومن الواضح اتخاذ هذه الطاعة قيمة أخلاقية أعلى من تلك الطاعة . فيتصف هذا المطيع بكمال أكبر من ذاك الآخر .

هذا بالنسبة إلى أي فرد صالح متكامل من البشر تجاه أي ملك من الملائكة ،ومن الواضح ثبوت نفس التفاضل، وبدرجة أكبر ، لو تحدثنا عن النسبة بين رؤساء الملائكة وقادة البشر الدينيين . كالأنبياء والأولياء ، فإنهم يتصفون بالأفضلية على الملائكة . بطبيعة الحال .

فإذا كان المهدي (ع )أفضل من جبرئيل، كان المانع من هذه الجهة ، عن البيعة غير موجود .

 

صفحة (249)


الوجه الثاني : إن هذه المبايعة من قبل جبرائيل ليس خضوعاً للمهدي (ع )... وإنما هي احترام له وتقديس لمهمته العالمية التي خطط من أجلها خلال عمر البشرية كله، وقد وجدت المباعة لأجل مصالح معينة عرفنا بعضها .

الإستفهام الثاني : إنه ما الذي يسفيده جبرائيل من هذه المباعة ؟

والجواب على ذلك من عدة وجوه نذكر اهمها :

الوجه الأول : أنه يبايع إطاعة لأمر الله تعالى ، لا من أجل مصلحته الخاصة .

الوجه الثاني : إن احترام الحق وتقديس قادته ، يعتبر كمالاً له وفائدة تعود عليه .

وهذا ما يتحقق بالبيعة كما عرفنا .

الوجه الثالث : إن البيعة ذات مصالح عامة عرفناها ، تعود إلى البشر أنفسهم ،ومن ثم تتدرج في التخطيط العام الساري المفعول بعد الظهور ، وهذا كاف في إيجادها .

الإستفهام الثالث : إن فكرة مبايعة جبرائيل(ع) للمهدي (ع) لا تنسجم مع فكرة أن المهدي (ع) يبايع مكرهاً . فإن من يكرهه على المبايعة هم البشر المتضررون من الظلم الواقع عليهم ،وليس لجبرائيل(ع) في ذلك  أية مشاركة ، فكيف نجمع بين الأخبار الدالة على هاتين الفكرتين ؟! ..

وجواب ذلك :أننا سنفهم من الإكراه المشار إليه معنى معيناً ، يتضمن لهفة المظلومين إلى رفع الظلم عنهم ، وتواضع الإمام المهدي (ع ) عن أن يتصدى للمبايعة بنفسه ، بل من الأفضل أن تكون بطلب من غيره بطبيعة الحال . وكما دل على الإكراه أكثر من ذلك ، ينبغي الإستغناء عته ،وهذا المعنى لا ينافي مع بيعة جبرائيل(ع) معه ، بل هو منسجم معها ، وسيكون جبرائيل (ع) هو المبادر إلى طلب البيعة منه .

والإستفام الرابع :أنه دلت بعض الروايات على أن حبرائيل قال عند وفاة النبي (ص) :أنه لن ينزل إلى الأرض مرة أخرى .


صفحة (250)