|
|||||
|
وأخرج(1) أيضاً عن شهر بن حوشب ، قال: قال رسول الله (ص) : سيكون في رمضان صوت . إلى أن قال : حتى يهرب صاحبهم ، فيؤتى بين الركن والمقام فيبايع وهو كاره . ويقال له :إن أبيت ضربنا عنقك !!!...يرضى به ساكن السماء وساكن الأرض . وورد في طرق الخاصة تفسير هذه الكراهة .أخرج النعماني(2) بسنده عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) ، أنه قال: ينادي باسم القائم فيؤتى وهو خلف المقام ، فيقال له :قد نودي باسمك ، فما تنتظر؟ ثم يؤخذ بيده فيبايع. قال : قال لي زرارة : الحمد لله .قد كنا نسمع أن القائم (ع) يبايع مستكرهاً (مكرهاً) فلم نكن نعلم وجه استكراهه، فعلمنا أنه استكراه لا إثم فيه. فهذه هي أخبار البيعة ، ولا بد أن نتكلم حولها ضمن عدة نقاط . النقطة الاولى : البيعة : هي المعاهدة على الطاعة والنصرة .وذلك بإيكال القيادة والرأي في كل الأمور العامة – بل والخاصة – إلى القائد الذي أعطيت البيعة له ، بحيث لا يحول دون بذل مال ولا نفس .
ـــــــــــــــــ (1) الحاوي ج2 ص161 (2) غيبة النعماني ص140
وهي أمر مشرع في الإسلام ، قام به النبي (ص) تجاه أصحابه في بيعة الرضوان ، ونزل في مدحهم القرآن الكريم : قال الله تعالى : "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً "(1). وقد كانت البيعة أمراً معترفاً به ومطبقاً قبل الإسلام بين الملوك والرعية .... وأمضاها الإسلام بعد أن أعطاها الصبغة الدينية ، لما لها من الأثر البليغ في ربط الفرد بالحاكم وشده إليه نفسياً وعاطفياً ، في أغلب المجتمعات التي هي في طريق التربية .ومن الواضح أن شد الفرد نفسياً إلى الحاكم أو القائد الإسلامي مطلوب وذو نتائج عامة وخاصة ، تعود إلى تربية الفرد نفسه وإلى المجتمع ، ومن ثم اقتضت المصلحة في الإسلام إقرار هذه الفكرة أو هذا الأسلوب في تأييد الحاكم والإعتراف بحكومته وولايته . وهذا لا يعني أن لها أثراً فقهياً أو (قانونياً) كاملاً في الإسلام ...لوضوح وجوب إطاعة الحاكم الإسلامي على كل حال ، سواء وقعت البيعة أولاً . كما أن عدم وقوع البيعة لا يعني التمرد على الحاكم إذا كان الفرد مؤمناً وعازماً على تطبيق أوامره وإرشاداته .وإنما تعني التمرد إذا كانت دليلاً على العصيان والإنحراف . نعم ، إذا أمر الحاكم الإسلامي بالبيعة أو جلس لإستقبال المبايعين ، كما فعل النبي (ص) وسيفعل المهدي (ع) ، فيجب على الأفراد القيام بها تجاهه ، ويكون تركها عصيان من جهتين : أولاً : لكون تركها إهمالاً لأمر الحاكم الإسلامي الذي يجب إطاعته في كل أوامره . ثانياً :لإن أمره بالبيعة وجلوسه من أجلها يعطي هذه الفكرة ،وهي أن الحاكم الإسلامي يرى الان ـ ومن خلال هذا الأمر ـ أن الإعتراف بولايته وحاكميته منوط بالطبيعة ومتوقف عليها . فلو تركها الفرد كان غير معترف بولايته ، فيكون متمرداً عليه. ومن ثم لا تقتضي تلك القاعدة الفقهية ترك البيعة التي يأمر الحاكم الإسلامي بها أو يجلس من أجلها .بل مقتضى القواعد الفقهية الإسلامية وجوبها على كل ملتفت إلى ذلك الأمر أو تلك الرغبة .
ـــــــــــــــــ (1) الفتح 48/ 18
نعم ، لو انتهى أمد الأمر ،وأراد فرد من غير المبايعين أن يعلن ولائه من جديد ....كفى له (فقهياً) مجرد الإعراب عن عقيدته ،ولم تكن هناك ضرورة لإتخاذ أسلوب البيعة ، وهذا كله صادق بالنسبة إلى الإمام المهدي (ع) عند ظهوره . النقطة الثانية : إن الذين يبايعون المهدي (ع) في موقفه بين الركن والمقام ، يتكونون من عدة أقسام : القسم الأول : جبرائيل الأمين (ع) ، وهو من أهم الملائكة ، و أحد أربعة أعاظمهم ، طبقاً للفهم الإسلامي . وبيعته للإمام المهدي (ع) ، يمكن أن تحمل على أحد معنيين : المعنى الأول : المعنى الرمزي ، الراجع في الواقع ، إلى مرتبة عليا من التأييد الإلهي للمهدي (ع) ومباركة حركته العالمية ودعوته .وإنما دون ذكر جبرائيل بالخصوص باعتباره الممثل للحق من زاوية عليا كاملة ، وقد كان هو رسول الحكمة وحامل الوحي بين الله عزوجل وسوله الكريم (ص) . إلا أن هذا المعنى لا يكون صحيحاً ، بصفته رمزياً ، إلا بعد اليأس من المعنى (الصريح) المباشر. وهذا ما سنبحثه في المعنى الثاني . المعنى الثاني : البيعة بالمعنى المباشر الذي يقوم به سائر الناس . يقوم بها جبرائيل بعد أن يتخذ شكل رجل ، توصلاً إلى فائدتين كبيرتين: الفائدة الأولى : إلفات نظر الناس إلى لزوم مبايعة المهدي (ع) في موقفه ذلك بين الركن والمقام .فإن الناس غافلون ـ على الأقل ـ عن ذلك ، ويحتاجون إلى المنبه بطبيعة الحال ، وستكون مبايعة جبرئيل (ع) منبهاً لبعض الناس من الخاصة ، فإذا بايعوا كانت مبايعتهم منبهى لسائر الناس الموجودين في المسجد الحرام ساعتئذ . الفائدة الثانية : دعم وتأييد حركة المهدي (ع) من أول حدوثها .إذ من الضروري أن مبايعة جبرئيل (ع) لا تكون إلا لأجل تلقيه الأمر الإلهي بذلك ،وإذا كان الله تعالى موجباً على جبرئيل (ع) مبايعة المهدي (ع) فذلك من أعظم الدعم والتأييد . غير أن هذا التأييد لا يمكن انعكاسه اجتماعياً ما لم يكن جبرائيل ، وهو على شكل رجل ، معروف الهوية لدى الموجودين حال مبايعته .وهذا ـ بحسب فهمنا المعاصر ـ مما يصعب توفره في ذلك الموقف .وإنما يمكن إعلانه تدريجياً طبقاً لإتساع حركة المهدي (ع) وسلطته .وهذا كاف لدعم الحركة بمقدار احتياجها التدريجي .
|
||||
|
|||||