الأطروحة الثالثة : أن نفترض أن (كرعة) عبارة أخرى عن (مكة المكرمة) ، بنحو المجاز أو الرمز .

وأما التعبير عن مكة المكرمة بالقرية فباعتبار التعبير عنها بذلك في عدة آيات من القرآن الكريم ...كما لا يخفى على القارىء .

غير أن ايّاً من هذه الأطروحات لا تخلو من الخدشة والإشكال ، مما نحيله على ذكاء القارىء ، ولا حاجة إلى الدخول في تفاصيله ... بعد أن عرفنا سقوطها عن الإثبات التاريخي.

الزاوية الثالثة : إننا لو سلمنا بقابلية تلك الرواية للأثبات ، ونفينا تلك الأطروحات في الجمع ما بينهما ...فإننا سنواجه المعارضة بين هذه الرواية وروايات ظهوره في مكة وفي المسجد الحرام  بين الركن والمقام ...وهي روايات عديدة مروية عن جماعة من الرواة من الفريقين . فتكون متقدمة في الإثبات على تلك الرواية بطبيعة الحال .

الجهة السادسة :إن المهدي (ع) بعد أن ينتهي من خطابه ، يبدأ بأخذ البيعة من أنصاره ومؤيديه

وقد دلت على ذلك  عدة روايات ، نذكر اهمها ؛

أخرج الصدوق في إكمال الدين(1) بسنده عن أبان  بن تغلب ، قال : قال أبو عبد الله (ع) :

إن أول من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل عليه السلام ... الحديث .

وأخرج النعماني(2) عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) في حديث أنه قال :

لكأني أنظر بين الركن والمقام يبايع الناس ... الحديث .

وأخرج روايات أخرى بنفس هذا المضمون(3).


صفحة (242)

ـــــــــــــــــ  

(1) انظر المصدر المخطوط .

(2) ص139 .

(3) انظر ص102 وص141 .

 

وأخرج الشيخ الطوسي(1) بسنده عن علي بن مهزيار ، قال : قال ابو جعفر :

كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام ، بين يديه جبريل ينادي :البيعة لله . فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .

وأخرج الطبرسي(2) عن المفضل بن عمر عن أبي عبدالله (ع) ، في حديث :أنه ذكر أولاً مضمون خطبة الإمام المهدي (ع) ثم قال:

فيبعث الله عز وجل جبرئيل ، حتى يأتيه وسأله ويقول له : إلى أي شيء تدعو ؟ فيخبره القائم ، فيقول جبرئيل: فأنا أول من يبايع ، ثم يقول له :مد كفك . فيمسح على يده .وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، فيبايعونه ... الحديث

وقد وردت في مضمون هذه البيعة عدة روايات :

منها ما اخرجه النعماني(3) عن ابي بصير عن أبي عبد الله (ع) ، في حديث ، قال :

يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد .

وفي رواية أخرى(4) عن أبي بصير ان أبي جعفر (ع) – في حديث ـ قال :

لكأني انظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد (شديد) وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء.

واخرج الصافي في منتخب الأثر(5) عن كشف الأستار للحاج النوري عن عقد الدرر لجمال الدين المقدسي والفتن لأبي صالح السليلي عن أمير المؤمنين (ع) :

أنه ـ أي المهدي (ع) – يأخذ البيعة عن أصحابه ، على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يسبوا مسلماً ولا يقتلوا محرماً ولا يهتكوا حريماً محرماً .ولا يهجموا (يهدموا) منزل، ولا يضربوا احداً إلا بالحق ولا يكنزوا ذهباً ولافضة ولابراً ولا شعيراً ، ولا يأكلون مال اليتيم ، ولايشهدوا بما لا يعلمون ، ولا يخربوا مسجداً ولا يشربوا مسكراً ، ولايلبسوا الخز ولا الحرير . ولا يتمنطقوا بالذهب ، ولا يقطعوا طريقاً ولا يخيفوا سبيلاً ، ولا يفسقوا بغلام ، ولا يحبسوا طعاماً من بر أو شعير، ويرضون بالقليل ، ويشمون الطيب و يكرهون النجاسة ، ويأمرون المعروف وينهون عن المنكر ، ويلبسون الخشن من الثياب ،ويتوسدون التراب على الخدود ،ويجاهدون في الله حق جهاده .


صفحة (243)

ـــــــــــــــــ  

(1) ص24.   (2) ص431.

(3) ص141. (4) غيبة النعماني أيضاً ص139.

(5) ص468.وانظر نفس المضمون في الملاحم والفتن لأبن طاووس ص122.

 

ويشترط على نفسه لهم : أن يمشي حيث يمشون ويلبس كما يلبسون ويركب كما يركبون ، ويكون من حيث يريدون ويرضى بالقليل ، ويملاً الأرض بعون الله – عدلاً كما ملئت جوراً ، يعبد الله حق عبادته ، ولا يتخذ حاجباً ولا بواباً .

وهناك من الروايات ما يدل على أن المهدي يبايع كارهاً . وقد ورد هذا المضمون في طرق العامة بشكل أوسع مما عليه في طرق الخاصة .

أخرج أبو داود(1) بسنده عن أم سلمة زوج النبي (ص) عن النبي (ص) ، قال :

يكون اختلاف عند موت الخليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ... الحديث .

ورواه ابن حجر في الصواعق (2) والقندوزي في ينابيع المودة (3) والصبان في إسعاف الراغبين(4).

ومن طريف ما روى السيوطي(5) بهذا الصدد ، ما أخرجه عن نعيم بن حماد ، عن ابن مسعود ، قال – في حديث عن المهدي (ع) ـ :

فيطلبونه فيصيبونه بمكة ، فيقولون له :أنت فلان بن فلان ؟ فيقول :لا ، بل أنا رجل من الأنصار ، حتى يفلت منهم ، فيصفونه لأهل الخيرو المعرفة به. فيقال: هو صاحبكم الذي تطلبونه ، وقد لحق بالمدينة ، فيخالفهم إلى أهل (مكة) ، فيطلبونه بمكة فيصيبونه . فيقولون :أنت فلان بن فلان . وأمك فلانة ابنة فلان ، وفيك آية كذا وكذا . وقد أفلت منا مرة ، فمد يدك نبايعك. فيقول: لست بصاحبكم حتى يفلت منهم . فيطلبونه بالمدينة، فيخالفهم إلى مكة .

فيصيبونه بمكة عند الركن ، ويقولون له:اثمنا عليك ، ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك . هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا ، عليهم رجل من حرام . فيجلس بين الركن والمقام . فيمد يده فيبايع له . فيلقي الله محبته في صدور الناس فيصير مع قوم أسد بالنهار رهبان في الليل .

 

صفحة (244)

ـــــــــــــــــ  

(1) انظر السنن ج2ص243.   (2) ص98.

(3) ص517ط النجف.          (4) ص135.

(5) الحاوي ج2 ص145.