|
|||||
|
فإذا كان الحال بالقرآن الكريم مع وضوح أسسه ، هو ذلك ، فكيف بالمعجزات التي لا تكون واضحة الأسس. ومعه فمن غير المحتمل أن نسمع في الأخبار أي نقل ، عن المعجزات (العلمية) التي ستكون الأسلوب الرئيسي للإعجاز في عصر الإمام المهدي على المظنون . وأما عدم نقل المعجزات (الخاصة) معجزة معحزة . فهو أوضح ، لما عرفناه من أن الآخرين قد لا يدركون فكرة إعجازها بالمرة ...حتى وإن وقعت أمامهم ، فضلاً عما إذا نقلت إليهم بالأخبار . وقد يخطر في الذهن :أن في إمكان الأخبار أن تشير إلى قيام المهدي (ع) ببعض المعجزات الخاصة إجمالاً .... فلماذا لم تفعل ؟! وجوابه أن هذا النوع من المعجزات ، حيث كان نطاقه شخصياً ، فيكون ذكره في الأخبار مستأنفاً .ولا يبعد أننا نجد في الأخبار شيئاً من ذلك ...ولكنه قليل وغير ملفت للنظر ، باعتبار أن الإهتمام مركز في الأخبار إلى ما هو أشمل من أعمال الإمام المهدي وصفات أصحابه ودولته . إذن فكل ما في الأمر أننا نتوقع أن نسمع من الأخبار إقامة المهدي (ع) معجزات (كلاسيكية) على غرار الأنبياء وألأولياء السابقين .على حين أنه (ع) سوف يعرض عن هذا النوع لكونه قاصراً عن المستوى الذي يكون عليه المجتمع يوم ظهوره ....وإنما كان مناسباً فقط . مع الأزمة السابقة ، المعاصرة مع الأنبياء والأولياء الأقدمين واما النوع أو الأنواع التي يقيمها المهدي (ع) من المعجزات ، فلا يناسب ذكرها في الأخبار ، لكونها أعلى من مستوى عصر صدور الأخبار، وعدم فهم المجتمع لأسسها ، واعتياده على الأسلوب الكلاسيكي للمعجزات يومئذ.
الجهة الخامسة من هذا الفصل :وردت بعض الأخبار تقول : بأن المهدي(ع) يظهر من قرية يقال لها كرعة . - بالكاف الفارسية على الظاهر - . وهي تنافي الروايات التي سمعناها في هذا الفصل من كونه (ع) ظهر في مكة بين الركن والمقام . أخرج الكنجي في كتابه البيان (1) بإسناده عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله ( ص) : يخرج المهدي من قرية يقال لها : كرعة . قلت : هذا حديث حسن رزقناه عالياً .أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في عواليه كما سقناه .ورواه أبو نعيم في مناقب المهدي (ع) .انتهى كلام الكنجي . وقال السيوطي في الحاوي(2): وأخرج أبو نعيم وأبو بكر بن المقري في معجمه عن ابن عمرو ، قال :قال النبي (ص) : يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة . وروى الأربلي(3) عن الأربعين حديثاً للحافظ أبي نعيم بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال النبي(ص): يخرج النبي من قرية يقال لها : كرعة . وروى ابن طاووس(4) عن كتاب الفتن للسيليلي بإسناده عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله (ص): يخرج المهدي من قرية يقلا لها كرعة . فكيف يمكن أن نوفق بين هذه الروايات وتلك ؟...
ـــــــــــــــــ (1) انظر ص91 منه . (2) انظر ج2 ص137. (3) انظر كشف الغمة للإربلي ج3 ص259. (4) انظر الملاحم والفتن لإبن طاووس ص114.
ويمكن الإنطلاق في الجواب عن ذلك من عدة زوايا: الزاوية الأولى : إن هذا الخبر غير قابل للإثبات التاريخي . فإنه مروي عن عبد الله بن عمر .... وهو الذي يتحمل مسؤولية روايته . وأما وروده – كما سمعنا في رواية السيوطي والكنجي بلفظ : عبد الله بن عمرو ، فهو إن كان خطأ مطبعياً أو كتابياً ، وواقعه هو : عبد الله بن عمر ... إذن فالكلام فيه ما سبق أن قلناه . وإن كان شخصاً غيره ، فهو مجهول ومردد بين عدة أشخاص ، فلا تكون روايته قابلة للإثبات . فجوابه أنها مروية في عدة مصادر وعن عدد من الرواة، إلا أنهم جميعاً يسندونها إلى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو ، وقد عرفنا حال الرواية عنهما . وتكون الروايات الدالة على ظهور المهدي (ع) في مكة ، بين الركن والمقام قائمة وحدها بلا معارض. الزاوية الثانية :إننا لو قبلنا كون هذه الرواية قابلة للأثبات التاريخي ، ففي الإمكان أن ننفي التعرض بينهما ، طبقاً لعدد من الأطروحات المحتملة ، نذكر بعضها : الأطروحة ألأولى : أن يكون ظهوره (ع) في كرعة أولاً طبقاً لأطروحة خفاء الشخص ويكون ظهوره ثانياً في مكة طبقاً لأطروحة خفاء العيون . فإنه طبقاً للفهم الكلاسيكي لغيبة المهدي(ع) في بعض الأذهان أنه غائب بحيث يختفي جسمه عن الأنظار . مطابقاً لأطروحة خفاء الشخص. فإذا آن أوان ظهوره في (كرعة) ارتفع الخفاء الشخصي عنه ، ولكنه يبقى مجهولاً للناس مطابقاً لأطروحة خفاء العنوان ، حتى ما إذا وصل إلى مكة وقام بين الركن والمقام وأعلن عن اسمه واسم أبيه ، ارتفع خفاء العنوان وعرفه الناس . الأطروحة الثانية : إننا لو التزمنا على أن الصبغة العامة للغيبة مطابقة لأطروحة خفاء العنوان ، دون الأخرى كما ذهبنا إليه، في التاريخ السابق(1) كان محصّل المعنى للجمع بين الروايات :إن المهدي (ع) حين يريد الظهور في (كرعة) فإنه يكشف نفسه للناس ، أعني يطلعهم على اسمه واسم أبيه .ولكنه لا يمارس اي عمل إلا بعد الوصول إلى مكة والوقوف بين الركن والمقام .
صفحة (241) ـــــــــــــــــ
(1)
ص34وما بعدها. |
||||
|
|||||