|
|||||
|
فلو انطلقنا من (اطروحة خفاء العيون) التي عرفناها ، كان معنى اخفاء اسمه أنه لا زال في غيبته ، وأنه يخاطب الناس بـ(شخصيته الثانوية) لا بشخصيته الحقيقية ، فإنها هي الشخصية الوحيدة التي يعرفها الناس منه . وهذا لا معنى له النسبة إلى المهدي (ع) منذ ذلك الحين. وأما إذا اختار (ع) أن يذكر اسمه للناس ، فهذاالموقف يحتوي ـ في النظر ـ على نقطة قوة ونقطة ضعف مقابلتين لذينك النقطتين . نقطة القوة : أنه (ع) حين يكتشف شخصيته الحقيقية للناس ، يرفع بذلك غيبته التي آن له رفعها وحرم عليه استمرارها ويصرح بانتساب الخطبة وطلب النصرة إليه بتلك الصفة . نقطة الضعف :أن كشفه لحقيقته سوف يؤلب عليه الأعداء ، في وقت هو شديد الحاجة فيه إلى الحماية والمنعة. ويمكن أن نفهم من هذه الروايات (أطروحة) نحصل بها على كلتا نقطتي القوة، وندفع بها كلتا نقطتي الضعف: وهي أنه يذكر اسمه الحقيقي واسم أبيه ، من دون الإلماع إلى أنه المهدي الموعود . فإنه بذلك يرفع غيبته ويكشف شخصيته الحقيقية ، ويصرح بانتساب الخطبة وطلب النصرة إليه بتلك الصفة. وبذلك يحرز نقطة القوة الأخيرة .وفي نفس الوقت يحرز حمايته من الأعداء المتربصين له بصفته مهدياً ، يملاً الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . فيحرز نقطة القوة الأولى ويدفع نقطة الضغف الثانية . وأما نقطة القوة الأولى : فلن تحصل بصراحة وشمول ، وإنما تحصل بالمقدار الذي ينبغي لها أن تحصل ،إن المؤمنين الممحصين الذين يمثلون العدد الكافي لغزو العالم وكذلك من كان في الدرجة الثانية من الإخلاص من الدرجات الأربعة التي عرفناها في التاريخ السابق(1) كلهم سيعرفون أن هذا الشخص هو المهدي الموعود. ومن ثم سيؤيدونه تأييداً كاملاً .وأما الناس الآخرون من أعداء متربصين وأشخاص محايدين من مسلمين وغيرهم، وحتى عدد كبير ممن على المذهب الإسلامي الذي يتبناه المهدي (ع) .فسوف لن يعرفوا هذه الحقيقة الكبرى ، إلا في الحدود التي تقتضيها المصلحة ويخطط لها المهدي (ع ) نفسه .
صفحة (230) ـــــــــــــــــ (1) انظر ص248وما بعدها .
والروايات لم تدل على أكثرمن ذلك ، وإن المهدي يسمي نفسه وأباه ، تماماً كما فعل (النداء) من قبل .وليس في أي منهما تصريح بأنه المهدي الموعود النقطة السابعة : في مدى ارتباط الخطبة بالتصور الإمامي للمهدي من الواضح ان الوقوف بين الركن والمقام وإلقاء الخطبة على الجماهير غير خاص بالمهدي (ع) بالتصور الإمامي ، بل يشمل المهدي بالتصور الآخر ، بل يشمل أي إنسان ذو قدرو وجدارة .وإنما المهم من ذلك مضمون الخطبة أولاً . ونتائجها ثانياً . أماالنتائج ،وأهمها السيطرة على العالم كله بالعدل ، وتأسيس الدولة العالمية العادلة ... فهذا ما سيكون صفة للمهدي الواقعي في التخطيط الإلهي العام أياً كان . ويهمنا الآن تطبيق مضامين الخطبة على التصور الآخر للمهدي ، بعد العلم على انها منطبقة مع التصور الإمامي تماماً . إن المهدي – بهذا التصور ـ يستطيع أن يصرح بعدة أمور من الخطبة : 1- أن يدعو الناس إلى الله ويخوفهم به . 2-أن يقسم عليهم بحق القربى من رسول الله (ص) ... فإنه على أي حال من ولد فاطمة ومن أولاد الحسين (ع). 3- أن يشير إلى الظلم والمطاردة والتنكيل الذي وقع على المؤمنين المخلصين خلال عصر التمحيص والإمتحان السابق على الظهور . 4- أن يطلب من الناس نصرته وتأييده ، توخياً لنصرة الحق ، باعتباره الممثل الرئيسي له . 5- أن يعدهم أنه إذا تم له الإستيلاء على منطقة أو أكثر واستتبت له الأمور ،أن يطبق القانون الإسلامي العادل المتمثل بكتاب الله الكريم وسنة رسوله العظيم . ولكن سوف لن يكون المراد من كتاب الله وسنة رسوله ، إلا المستوى الذي وصل إليه الفكر الإسلامي إلى ذلك الحين ، نتيجة للتخطيط السابق .ولن يستطيع هذا المهدي أن يسير خطوات مهمة في تربية هذا الفكر وإعطاء الفهم المتكامل للكتاب والسنة .
صفحة (231) إن المهدي ـ طبقاً لهذا التصور ـ لن يكون ـ كما قلنا في التاريخ السابق(1) أكثر من فرد اعتيادي له في الإخلاص والعلم أقصى ما اقتضاه التخطيط السابق ، وله من القابليات النفسية ما يتوقع بها لنفسه أن يقوم بالتطبيق الإسلامي .ومثل هذا الشخص لا يمكنه بأي حال أن يقوم بعبادة الدولة العالمية .كما سبق أن برهنا . كما لا يستطيع أن يقدم للكتاب والسنة فهما اعمق من المستوى الذي وصل اليه الفكر الإسلاني في عصره . ولن يقدم لهما الفهم الذي له اهلية ممارسة الحكم العادل الكامل في العالم كله . ومن هنا يتعذر عليه ان يقول عدة مضامين واردة في الخطبة وضرورية الثبوت للمهدي الموعود ليكون هو القائد العالمي المنشود فهو : 1- لن يستطيع ان يدعي انه اولى بكتاب الله وسنة رسوله من اي شخص آخر ... حتى من قادة الفكرالإسلامي الذين تقدموا به و أوصلوه إلى المستوى المعاصر له . وانما يدعي ذلك ، من له الفهم الكامل لهذين المصدرين الإسلاميين المقدسين بالرواية عن النبي (ص) وقادة الإسلام الأوائل ، بالشكل الذي يكفل سعادة البشرية العاجلة وتربيتها العليا في الآجل . وباختصار: أن يتقدم بالفكر الإسلامي بخطوات جبارة لا تقاس بأي مفكر آخر ، سنشير إلى ما يقدمه المهدي (ع) في هذا المجال . 2- وهو ليس بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفى وإبراهيم وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين . وكونه من المخلصين الكاملين لا يبرر هذه النسبة إلا كما يبررها في أي شخص آخر متصف بهذا المقدار من الإخلاص والإيمان ..وهم يومئذ عدد غير قليل ... كما عرفنا في نتائج التخطيط. 3- وهو ليس أولى الناس بالنبيين ... فإن من يكون كذلك أنما هو القائد المذخور الذي يكلل جهود كل الأنبياء بالنجاح في تطبيق العدل الكامل في العالم ... وأما الذي يتصدى لذلك من دون أن يحرز نجاح حركته أو لا تكون له قابلية القيادة العالمية ، كما قلنا في التاريخ السابق(2)، فلن يمكن أن يكون متصفاً بالأولوية
ـــــــــــــــــ (1) انظر ص248وما بعدها . (2) انظر ص501 وما بعدها .
|
||||
|
|||||