وسيثير بقاؤهم مشكلة قانونية ، يقع فيها الجدل بين الحاكمين هناك ، على ما نقلته بعض رواياتنا ، على ما سيأتي في فصل قادم .حتى إذا ما شاء الله عز وجل للمهدي (ع) أن يظهر في يوم عاشوراء ، كان هؤلاء ، هم البذرة الرئيسية لجيشه ، أمضاهم إرادة وأعمقهم عقيدة .

وبذلك نفهم أن لأصحاب الإمام المهدي (ع) الفرصة الكافية في الذهاب إلى مكة المكرمة ، بشكل طبيعي لا أثر للإعجاز فيه .ومعه فتكون الروايات الدالة بظاهرها على أن وصولهم إليه بنحو إعجازي ، تكون مخالفة لـ (قانون المعجزات) ومحتاجة إلى فهم جديد .

وسيأتي التعرض لذلك في فصل آت من هذا القسم .

الناحية الرابعة : في إثارة بعض الإعتراضات والأسئلة على التوقيت الذي تحدثنا عنه ، مع محاولة الجواب عنه .وهي عدة أمور:

الأمر الأول :ما هو موقف اعداء الإمام المهدي (ع) من النداء؟ فإن من المفهوم أن هذه المدة التي تتخلل بين النداء والظهور كافية تماماً للإستعداد لسحق أي حركة متوقعة في العالم والقضاء عليها في مهدها وبمجرد حدوثها . فكيف ينجو الإمام المهدي (ع) من ذلك ؟!

 فإن الأعداء قد يسمعون النداء ، وخاصة أنه نداء رهيب واسع يخرج الفتاة من خدرها ويوقظ النائم ويفزع اليقظان ، كما سمعنا من الأخبار .وإذا سمعوه توقعوا الظهور واستعدوا ضده لا محالة .

ويمكن الجواب على ذلك ، ضمن عدة مستويات :

المستوى الأول: أنه دليل على أن صوت النداء شامل للبشر أجمعين بل هو بصفته إعجازياً – سيحدد – بالمعجزة – بالمقدار الذي يحتوي على المصلحة ويكون خالياً عن المضاعفات .ومن هنا يمكن أن يكون النداء مقتصراً على منطقة دون منطقة.أو مجموعة من الناس دون مجموعة .

وهذا مخالف لظاهر الأخبار التي سمعناها تقول : ينادي مناد من السماء باسم القائم ، فسمع من بالمشرق ومن بالمغرب . أو تقول : فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلا سمع الصيحة .إلا ان نخصها بمنطقة أو جماعة باعتبار أن عموم النداء وشموله لكل الناس يشكل خطراً على المهدي (ع) في أول ظهوره .وأما رد الفعل الموصوف في الأخبار للصيحة ، وهي أنها توقظ النائم وتفزع اليقظان وتخرج الفتاة من خدرها ...فيمكن أن نخصه بالسامعين ، ولايشمل غيرهم بطبيعة الحال .إلا أن قوله عن الصيحة : أنها تخضع لها أعناق أعداء الله تعالى .صريح في سماعهم لها ...غير أنه صريح في نفس الوقت بعدم قدرتهم في وقوفهم ضدها .

 

صفحة (216)

 

المستوى الثاني : أنه لا دليل على أن مضمون هذا النداء سيكون هو الدعوة إلى نصرة المهدي (ع) من أجل غزو العالم بالعدل .بكل صراحة ...ليشكل خطراً على أعداء الله ليستعدوا ضده . بل إنه ليس كذلك يقيناً ، فإن ما صرحت به الروايات هو أنه ينادي بإسمه واسم أبيه ، ليس إلا .

فنعرف من ذلك : أن مضمون النداء هو ـ على الأغلب ـ إمامكم محمد بن الحسن حجة الله ونحو ذلك .من دون أي إشارة إلى أهدافه ولا إلى ظهوره ، ولا حتى إلى كونه المهدي الموعود .وإنما سيعرف المؤمنون كل ذلك باعتبار مسبقاتهم الذهنية وأدلتهم العقائدية ...وهذا غير متوفر لدى أعداء الله بطبيعة الحال .

المستوى الثالث: إن القوى العالمية المادية الحاكمة في الدول الكبرى وغيرها ، لو فرضنا ، أنها سمعت بالنداء أو وصلها خبره ، بل لو عرفت مضمونه بشكل وآخر ...فسوف لن تفهمه كما ينبغي أن يفهم ..وإنما تعتبره دعاية كاذبة أوعملاً تخريبياً صادراً من قبل بعض الدول أو الجهات ، قد يكون مذاعاً عن طريق بعض الإذاعات أو محطات التلفزة أو أحد الأقمار الصناعية المخصصة للبث الإذاعي .إذن ، فهو – في رأيها – ليس عملاً يستحق المجابهة والتحدي .

المستوى الرابع : إنه لا دليل على بقاء الحالة العالمية ما هي عليه الآن ، واستمرارها إلى وقت النداء والظهور .بل هناك ما يدل على زوال الحضارات والقوى الكبرى عن المسرح العالمي قبل ذلك ....وسنبحثه في فصل قادم .

ومعه لن يكون للمهدي (ع) أعداء رئيسيون في أي مكان من العالم ، بحيث يمكنهم القضاء على حركته في مهدها ، حتى لو سمعوا النداء وفهموه .

المستوى الخامس : إنه مع التجاوز عن جميع المستويات السابقة ، يصلح ما قلناه في خلال الحديث عن أخبار النداء جواباً في صددنا هذا ، وهو أم ظهور المهدي (ع) الذي يتأخر أكثر من مئة يوم ، سوف لن يتعين انطباقه على النداء إلا بعد أن يقوى المهدي (ع) ويشتد ساعده وتكون حركته قابلة للصمود ضد أي اعتداء .

الأمر الثاني : ـ من الناحية الرابعة ـ: إنه قد يخطر في الذهن أن تحديد زمان الظهور بالنحو الذي سمعناه ينافي مع الإنتظار المستمر للمهدي (ع) وأنه من المتوقع  ظهوره في أي يوم وفي أي لحظة .


صفحة (217)

 

إذ مع التحديد بيوم عاشوراء ، سوف لن يكون ظهوره في سائر أيام السنة مترقباً ، كما أنه مع التحديد بالسنوات الوتر :إحدى أو ثلاث أو خمس ...لن يكون ترقب ظهوره في السنوات المزدوجة : اثنان أو أربع أو ست موجوداً .وهذا بخلاف ما لو كان التحديد واقعياً غير معروف لأحد ، فإن توقع الظهور يبقى لدى الناس موجوداً ، وبذلك نحرز فوائد الإنتظار التي عرفناها في التاريخ السابق(1).

ويمكن الجواب على ذلك ضمن عدة مستويات :

المستوى الأول : إن كل هذه التحديدات لا تكاد تكون معروفة لدى عامة الناس ...ومن هنا نجد منهم من يحدد بتحديدات أخرى لم نجدها في الأخبار ـ في حدود إطلاعنا ـ كتحديد الظهور في ليلة القدر أو تحديده بين شهري جمادى الثانية ورجب .وإذا لم يكن هذا التحديد معروفاً كان الجاهل به منتظراً للظهور على الدوام .

غير أن هذا المستوى لا يكاد يكون تاماً، إذ بمقتضاه يكون الإنتظار منتفياً بالنسبة إلى من يعلم بهذه المواعيد، ممن يقرأ هذا الكتاب أو غيره .

المستوى الثاني: إن هذه المواعيد ، وإن ثبتت بأدلة قابلة للإثبات التاريخي ،أو كان بعضها كذلك ...إلا أن الإثبات التاريخي سيء واليقين شيء آخر . فمثلاً إن قول ابن الأثير في كتابه (الكامل) كاف للإثبات التاريخي ولكنه ليس بيقيني الصدق على أي حال ، ونحن لم نسمع هذه الأخبار من المعصومين(ع) أنفسهم ، بل من الرواة الناقلين عنهم ، فلا تعدو الرواية  أن تكون ظنية ولكنها قابلة للإثبات.

فإذا كانت هذه التحديدات والمواعيد ظنية ـ كان هناك احتمال آخر يقابله .

فمثلاً : إننا نظن ـ طبقاً للأخبار ـأن المهدي (ع) سيظهر في يوم عاشوراء ، ونحتمل احتمالاً اقل بأنه سيظهر في يوم آخر من السنة .ومعه يكون الإنتظار خلال كل أيام السنة ثابتاً .

المستوى الثالث: إن ظهوره في أي يوم آخر أو أي عام إفرادياً كان رقمه أم زوجياً .


صفحة (218)

ـــــــــــــــــ  

(1) ص438 وما بعدها .