الفصل الثاني

في تاريخ الظهور وموعده

 

ويمكن أن يتم ذلك على عدة مستويات ، لا بد من عرضها ونقدها ، واختيار الصحيح منها :

المستوى الأول : في تعيين تاريخ الظهور بشكل تفصيلي يذكر فيه العام والشهر واليوم .وهذا ما لا سبيل إليه ولم يرد تحديده في أي نص . وهو المستوى الذي تكذبه أخبار نفي التوقيت ولعن الوقاتين ، التي رويناها في الباب الأول من القسم الأول من هذا التاريخ .

وقد سبق أن عرفنا أن إخفاء التاريخ التفصيلي هو أحد حلقات التخطيط التي تتيح للمهدي (ع) وأصحابه فرص النصر في مهمتهم العالمية .وذلك باعتبار توفر عنصر المفاجأة التي هي أهم اسباب عناصر النصر .

المستوى الثاني : في تعيين موعد الظهور إجمالاً .كما لو قلنا أنه يحصل متى أراد الله تعالى أو نحو ذلك ، وكل ذلك صادق إلا أنهه لا يسعفنا بشيء مهما فيما نحن بصدده .

المستوى الثالث: استنتاج التاريخ إجمالاً أو تفصيلاً . من بعض كلمات النصوص القرآنية أو غيرها ، عن طريق قواعد (علم الحروف) المسمى بالجفر وهو علم موجود عند بعض الفلاسفة والصوفية ، يدعون أنه ينتج الإطلاع على الحقائق المجهولة .ومن هنا يحسن أن نحمل عنه فكرة كافية .

 

صفحة (207)

 

وقد استعمل هذه القواعد لإستكشاف موعد ظهور المهدي (ع) جماعة من علماء المسلمين ، منهم الشيخ محيي الدين بن عربي  القائل :

          إذا دار الـزمـان عــلى حـروف              بـبـسـم الله فالمـهـدي قامـا

         ويخـرج بـالحطيم عقـيـب صـوم             ألا فـاقرأه مـن عـندي السلامـا(1)


وظاهره محاولة استكشاف الموعد من الحروف التي يتكون منها لفظ : باسم الله

وقال الشيخ الكبير عبد الرحمن البسطامي :

         ويـظهر منـهم المـجد مـن آل أحمد        ويـظهـر عـدل الله في الـنـاس أولاً

         كمـا قد روينـا عن علي الرضـا وفي        كـنز علـم الحـرف أضحى محصـلا

وقال أيضاً :

         ويـخرج حرف الميـم مـن بعـد شينه       بمكـة نحو البيـت بالنصـر قد علا

         فهـذا هـو المـهدي بالحـق ظـاهـر       سـيأتي مـن الرحمن للخلق مرسلا

الخ .........الأبيات(2)

وستكون معرفة ذلك ، بطبيعة الحال ، متعذرة لغير من يتقن تلك القواعد ويجيد طريقة الإستخراج منها ،ولو كانت صحيحة .

وإن أوسع محاولة اطلعت عليها في ذلك ، هو ما قام به الشيخ المجلسي في (البحار)(3) على أثر خبر يرويه عن أبي لبيد الإمام الباقر (ع) قال:

قال أبو جعفر (ع) ك يا أبا لبيد ، إنه يملك من ولد العباس اثنا عشر... إلى أن قال : يا أبا لبيد : إن في حروف القرآن المقطعة لعلماً جماً .إن الله تعالى أنزل : ألم ، ذلك الكتاب .فقام محمد (ص) حتى ظهر نوره وثبتت كلمته .وولد يوم ولد ، وقد مضى من الألف السابع(4) مائة سنة وثلاث سنين .

ثم قال : وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة ، إذا عددتها من غير تكرار ، وليس من حروف مقطعة حروف مقطعة حرف ينقضي إلا وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه .

ثم قال : الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون ، والصاد تسعون ، فذلك مائة وإحدى وستون . ثم كان بدء خروج الحسين بن علي (ع) الم الله . فلما بلغت مدته قام قائم ولد العباس عند (المص) وفقام قائمنا عند انقضائها بـ (الر) ذلك وعه واكتمه.


صفحة (204)

ـــــــــــــــــ  

(1) أنظر ينابيع المودة ص499 ط النجف.    (2) المصدر ص559.

(3) انظر ج13 ص132.                      (4) يعني من نزول آدم (ع) إلى الأرض.

 

وقد تكلم المجلسي حول هذا الخبر كلاماً طويلاً ، وذكر أن بعض ما أشار إليه الخبر من تحديدات ، يطابق الواقع ، كبعثة النبي (ص) .ونحن ننقل منه فيما يلي ما يمت إلى المهدي (ع) بصلة :

قال المجلسي : قوله : ويقوم قائمنا عند انقضائها بـ (الر) .

هذا يحتمل وجوهاً :

الأول: أن يكون من الأخبار المشروطة البدائية(1) ولم يتحقق لعدم تحقق شرطه . كما تدل عليه أخبار هذا الباب .

الثاني: أن يكون (يعني:الر) تصحيف (المر)(2) ويكون مبدأ التاريخ ظهور أمرالنبي (ص) قريباً من البعثة كـ(ألم ) . ويكون المراد بقيام القائم قيامه بالإمامة تورية .

فإن إمامته كانت في سنة ستين ومائتين ،فإذا أضيفت إليه إحدى عشرة سنة قبل البعثة يوافق ذلك .

الثالث : أن يكون المراد جميع أعداد كل (الر) يكون في القرآن وهي خمس مجموعها ألف ومائة وخمسة وخمسون(3) .ويؤيده أنه (ع) عند ذكر (ألم) لتكرره . ذكر ما بعده لتعيين السورة المقصودة ، ويتبين أن المراد واحد منها .بخلاف (الر) لكون المراد جميعها. فتفطن(4).

الرابع : أن يكون المراد انقضاء جميع الحروف مبتدأ بـ(الر) . بأن يكون الغرض سقوط (المص) من العدد أو (الم) أيضاً . وعلى الأول يكون : ألفاً وستمائة وستة وتسعين(5) .

 

صفحة (209)

ـــــــــــــــــ  

 (1) أي التي حصل فيها البداء فلن تتحقق .

 (2) والقيمة المطلقة لهذه الحروف بحساب الجمل إحدى وسبعين ومائتان .للألف واحد وللام ثلاثون وللميم أربعون وللراء مئتان .

 (3) لأن قيمة الواحدة منها مائتان ، واحد وثلاثون فإذا ضوعفت خمس مرات كان الناتج هو ذلك .

 (4) هذه إشارة المجلسي على صعوبة هذه الإستفادة من الخبر .

 (5) هذا الوجه الرابع غيرمفهوم المقصود بوضوح بحيث ينتج الأرقام التي ذكرناها ، فإن الكلمات المقطعة في القرآن تسع وعشرون وحروفها خمس وسبعون .ومجموع قيمتها بحساب الجمل ثلاثة آلاف ومئة وخمس وخمسون فإن طرحنا ( على الأول ) قيمة (المص) وهي مائة وإحدى وستين كان الباقي الفين وتسعمائة وأربعا وتسعين وإن طرحنا على (الثاني ) قيمة ألم فإن أراد المجلسي واحداً منها وقيمته واحد وسبعون كان الباقي ثلاثة آلاف وأربعاً وثمانين ،وإن أراد طرح اثنين منها – وهي السابقة على المص في القرآن الكريم – كان الباقي ثلاثة الآف وثلاثة عشر،وإن أراد طرح قيمة مجموع ما ورد من هذه الكلمة في القرآن الكريم ...وقد تكررت ست مرات وقيمتها أربعمائة وست وعشرون .كان الباقي الفين وسبعمائة وتسعاً وعشرين فن طرحنا معها أيضاً قيمة المص المشار إليها كان  الباقي ألفين وخمسمائة وثمان وتسعين وكل هذه النواتج أكبر من الرقم الذي ذكره المجلسي ...طبقاً لحساب (ابجد ) المعروف ، فضلاً على حساب المغاربة .